| سجينة الذكريات | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:24 am | |
| استيقظت ببطء شاعرة بالاسترخاء التام وهي تتكور تحت الغطاء الدافئ ثم تذكرت فجأة أنها وكارلو سيتزوجان والحلم الذي حلمت به منذ ست سنوات قد تحقق ألان وهي تشعر بسعادة طبيعية لأي إنسان في وضعها ولكنها لن تفكر في هذه النقطة كان كوب الحليب الذي أحضره لها قد أصبح بارداً ألقت نظرة على ساعتها ، إنها التاسعة والنصف . أنه سيعلن عن خطبتها دون أن تضطر هي لأن تتكلف عناء الحضور وسيعود قبل أن تحس بغيابه . وتدحرجت لتغادر السرير وهي تتثاءب مصممة على حضور اجتماع المدراء أو على الأقل قسم منه . وهكذا ارتدت ثيابها بسرعة والتي كانت عبارة عن طقم رمادي فوقه جاكتة صوفية رائعة الحياكة . كانت كل ملابسها اقل مما تقتضيه المناسبة وصممت وهي تنتعل حذاء اسود منخفض الكعب على أنها عندما يتزوجان ستعود وترتدي بعض ملابسها القديمة المزخرفة الطراز إذ لم تعد هناك حاجة إلى ارتداء الألوان الداكنة . ولكن التفكير في إنها ستكون زوجة لكارلو جعلها تتوقف عن الحركة وعندما نظرت حالمة في المرآة لم تر منظرها العملي أبداً فقد كان جسمها وحركاتها لا تكاد تخفي أحاسيس البهجة التي تملكتها وصممت على أن تبذل أي في سبيل أن ينجح هذا الزواج وهي لن تتوقف عن ذلك حتى يجد نفسه غارقاً في حبها . وبعد عشرة دقائق كانت تحاول أن تقود السيارة بثبات على الطرق الفرعية الزلقة كانت هذه الطرقات ما تزال تحفل بأخطار الثلوج رغم حرارة الجو . ربما كان من الحماقة أن تخرج من سريرها الدافئ . ولكن الشركة ما زالت شركتها هي حتى ولو كانت ستدمج بشركة روسي في المستقبل ، هذا إلى أنها كانت تريد أن تكون إلى جانب كارلو عندما يعلن خطبتهما . وعندما أصبحت في الطريق الرئيسي أصبحت القيادة اسهل مما جعلها تزيد سرعة السيارة . إذ لن يكون لائقاً أن هي وصلت متأخرة لتجد الاجتماع منتهياً وقد اصبح كارلو في الطريق عائداً إليها . كان المكتب الرئيسي في مدينة كامدن في شمال العاصمة وكان الشارع المحاط بالأشجار هادئاً . وكان في استطاعتها أن تسمع قرقعة القطارات على الخط الرئيسي الى ميدلاند و سكوتلاند خلف مباني فيكتوريان عندما خرجت من موقف السيارات وهي تصلح من تجاعيد تنورتها . لم يكن هذا الجزء من لندن مكاناً عصرياً ولكن إيقاف السيارات كان سهلاً نوعاًَ ما كما أن المنازل قد حولت إلى مكاتب وافية بالغرض وخلال السنوات الماضية كان هذا المكان قد أصبح منزلها الثاني ذلك أنها أمضت هنا من الساعات اكثر مما أمضت في منزلها في الريف . وما أن دخلت فينيتيا من الباب وهي تخلع قفازيها حتى نظرت إليها موظفة الاستعلامات من خلف مجموعة الهواتف على المكتب وغمرت الدهشة وجه المرأة المتوسطة العمر التي نهضت واقفة وهي تقول : " إننا لم نتوقع رؤيتك هذا النهار نظراً إلى حالة الجو وغير ذلك فالطرقات لابد أن تكون مريعة في منطقتكم وحول الغابات . كيف حالكِ على كل حال؟ لم أجد فرصة للتحدث إليك في الجنازة وكذلك كثيرون ... ولكن .... " . فقاطعتها فينيتيا برقة : " أنني بخير " كانت جويس امرأة طيبة ولكن ثرثرتها كانت مضرب المثل فإذا وجدت موضوعاً تتحدث فيه فأنها لا تنتهي منه ولم تكن فينيتيا على استعداد لسماع ذلك فقد كانت في طريقها إلى التكيف مع الواقع ومع نفسها وعلى طريقتها الخاصة بالنسبة إلى صدمتها المفاجئة بفقيدها وسألت : " هل انتهى الاجتماع ؟ " هزت جويس رأسها قائلة : " لم ينته بعد تقول الشائعات أننا سنصبح تابعين لشركة روسي هل هذا صحيح؟ " . أجابت فينيتيا : " نعم صحيح ." لم يكن ثمة ضير في قول الحقيقة ذلك أنه حالما ينتهي الاجتماع فان كل إنسان سيعلم بالأمر وابتسمت فجأة بابتهاج فزواجها بكارلو ذو فائدة إضافية وسيستقر مستقبل شركة روس الإنكليزية وقالت لموظفة الاستعلامات وهي تتجه نحو السلم : " سأشترك في إنهاء الاجتماع ." ولكن الموظفة نادتها من خلفها قائلة : " انهم يستخدمون مكتبك لأنه الأوسع بين المكاتب ... لا تدعي السيد روسي يسلبك كل ما علمت أنتِ وأبوك لأجله أنني أعرف أنه شخص صعب المراس ويكفيك أن تنظري إليه لتعلمي أنه الرابح في النهاية ." ردت عليها فينيتيا محتفظة بسرها قائلة : " صدقيني أنني سأكون حذرة . " لم يكن ذلك يعني أن زواجها من كارلو سيبقى سراً مدة طويلة ولا بد أنه قد أعلنه وسيعلم به كل شخص في المبنى قريباً ، وسيشعرون بالارتياح الذي شعرت هي به عندما اطمأنت إلى استقرار مستقبل الشركة في انضمامها إلى شركة روسي الدولية والتي هي جزء من العائلة ليلتحم بذلك الشرخ الذي طال أمده .
وعندما اتجهت نحو المكتب كانت ما تزال تبتسم وما أن وصلت إلى هناك تقريباً حتى فتح الباب وخرج منه سيمون وهو يترنح صافقاً الباب وراءه . ونسيت هي فشلها في الالتحاق بنهاية الاجتماع عندما نظر إليها سيمون قائلاً : " هل علمت أنه يريد أن يطردني من العمل؟ هل علمت " وأمسك بذراعها بوحشية وقد شحب وجهه فردت عليه بحدة : " ما الذي تقول؟ ومن يريد أن يطردك من العمل؟ " . فأجاب : " ذلك الإيطالي اللعين ومن غيره؟ ألم تعلمي؟ " فهزت رأسها عابسة وهي تقول : " كلا " وتساءلت هل معنى هذا أن كارلو قد استلم الأمور بهذا العنف ؟ ولم يعجبها ذلك وخصوصاً وهو يعطي لنفسه الحق في طرد أي من موظفيها دون أن يهتم باستشارتها ولو من باب الكياسة . وسألته : " وما هو السبب الذي قدمه لهذا؟ " كانت متجهمة الوجه ولكنه أمسك بيدها يجذبها وهو يقول : " لا يمكنني أن أتكلم عن ذلك هنا فان الجميع سيخرجون بعد لحظات دعينا نذهب إلى الغداء لننفرد بأنفسنا انه لا يستطيع أن يطردني دون موافقتك . " وجاء صوت كارلو من الباب بارداً كالثلج : " انه يستطيع وقد فعل أخل مكتبك يا سيمون . " تجمدت فينيتيا وتناهت إلى مسامعها من خلال الباب همهمة الرجال في الداخل . ورأت السكرتيرة تخرج وفي يدها دفتر الملاحظات وقد اتسعت عيناها فضولاً وهي تقف خلف ظهر كارلو العريض . كانت يدها ما تزال في يد سيمون فسحبتها من يده إنما متأخرة وارتجفت قليلاً وهي ترى كيف ضاقت عينا كارلو وتوتر فمه وهو يلاحظ حركتها هذه . وهتف غوردون مانينغ سكرتير الشركة الذي كان أول الخارجين قائلاً : " آه .... فينيتيا ... " ووضع يده على كتفها استحساناً وهو يقول وقد لمعت عيناه بحنان الأبوة : " تهاني لقد سررنا جميعاً عندما علمنا بزواجك القادم والدك كان سيسر حتماً لو رأى عودة اللحمة بين الآسرتين تحدث بمثل هذه الطريقة السارة . " كانت تعلم أن هذه هي الحقيقة ورأت ذلك وهي تتقبل تهاني الآخرين جميعاً . فقد كان والدها في غاية البهجة عندما ظهر كارلو منذ سنوات كما كانت زيارته نفسها بمثابة غصن الزيتون . وكانت تعرف أنه بقى على اتصال بالفرع الإيطالي للشركة وذلك بواسطة الاتصال الهاتفي بكارلو . مع أنها لم تعرف قط ماذا قيل بين الرجلين فقد أعلنت بوضوح عندما أراد أن يقص عليها فحوى هذه المكالمات ، أنها غير مهتمة بأي شيء يتعلق بكارلو وبما يقوله وكان هذا نوعاً من الدفاع فقد كانت تحاول أن تنتزعه من قلبها ومن عقلها ... ولم تكن تريد ما يذكرها به . لا بد أن تجاوبها ذاك كان في محله كما أدركت الآن ، وكانت و كارلو وحيدين في الممر عندما قال لها عابساً : " لقد طلبت منك البقاء في المنزل ." فأجابت شاردة الذهن : " هذا صحيح ولكن الطرق لم تكن رديئة تماماً على كل حال ما هذا كله عن طرد سيمون؟ " فقال : " هل يؤلمك هذا؟ " فأجابت باستياء : " أنه أذهلني. " لقد أخذت مرة أخرى ترتاب في تحركاته وساورها الآسف لهذا الشعور . فهي تحبه ولا تريد أن تفكر في انه يمتلك صفات سيئة . وتنهدت بارتياح حين أمسك بيدها متجهاً بها إلى مكتبها الخالي وهو يقول : " عندما تسمعين إيضاحاتي حول هذا الموضوع فأنا متأكد من أنك ستوافقين على أنه لم يكن أمامي خيار آخر . " وجلس على حافة مكتبها قائلاً : " لعلك تساءلت فأنا كنت على الدوام احتفظ بعين يقظة على ما أملكه في شركة روس الإنكليزية ومنذ فترة قريبة بدأت أدرك أن الأمور ليست سائرة كما ينبغي في دائرة المشتريات وابتدأت في التحقيق لأكتشف أن صديقك سيمون كان يملأ جيوبه عل حساب أموال الشركة إذ كان يقبض رشوة من بعض الموردين عديمي الضمير وذلك لكي تدفع لهم الشركة أسعاراً أعلى من قيمة الأسعار المعروفة وهذا في اعتباري يسمى سرقة . " فقالت فينيتيا وقد بانت عليها الصدمة : " لا يمكنني تصديق ذلك فقد خدم الشركة بكل جهد أولاً كنائب لأبي ثم لي بعد ذلك . وكان لائقاً في أسفاره العملية بشكل ما لابد أن هناك خطأ ما في الأمر ." فقال كارلو وهو يحدق في ملامحها الذاهلة وقد بدا في لهجته شيء من الشفقة : " ليس ثمة خطأ أبداً . ليس من السهل قبول الخيانة ، أليس كذلك؟ ولكن صدقيني فان عندي كل البراهين التي تثبت ذلك . إن أباك كان يعلم ذلك لأنني حذرته منه ولكن للأسف لم يعش لكي يقوم بما يلزم عمله . " فقالت : " ولماذا لم تأت إلى ببراهينك تلك تطلعني عليها؟ كان يجب أن أعلم هذا وأن استشار . " كانت ما تزال غير قادرة على أن توافق على هذا لأن سيمون رغم ذلك التصرف المقيت الذي سبق وصدر عنه فيما مضى قد أثبت جدارته كصديق ومستشار ناصح وزميل في العمل وكانت مستعدة لضمان نزاهته واستقامته بينما كان كل الوقت .... استناداً إلى قول روسي يعيش حياة مرفهة على حساب الشركة وسألته عابسة : " ولماذا أنا كنت آخر من يعلم ؟ " فأجاب وهو يضع إصبعه على شفتيها : " هش ... كانت صدمتك بوفاة أبيك المفاجئة كافية بالنسبة إليك . إنني مسرور لحضورك وقد كنت فكرت في الاتصال بك هاتفياً ولكن هذا أفضل . لسوء الحظ استدعيت إلى المكتب الرئيسي في روما ، بصورة عاجلة وذلك منذ ساعة تقريباً وليس في إمكاني تجنب السفر ولا أظن في استطاعتي العودة إليك قبل أسبوع ." وهتفت فينيتيا : " أوه ... كلا! ." قبل نصف ساعة بدا لها وكأن كل شيء على ما يرام بعد أن وافقت على الزواج من رجل لم يعلم | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:25 am | |
| بعد أن عليه أن يتعلم أن يحبها وهاهو وبكل هدوء يرحل بعيداً لأن العمل عنده يأتي أولاً . هذا بالإضافة إلى ما عرفته الآن أن الموظف الذي كانت ثقتها به دون حدود تبين أنه لص . لم تكن هي من الغباء بحيث تعتقد أن في إمكانها أن تثنيه عن عزمه في الذهاب لإنجاز أعماله ، وقالت بحدة اكبر مما كانت تقصد وقد لوت فمها استياء : " هل أنت متأكد تماماً من صحة ما قلته بالنسبة إلى سيمون؟ ألا يمكن أن يكون شيئاً من الغيرة جعلك تخطئ في حساباتك؟ " وقال : " أهذا هو رأيك في مدى نزاهتي؟ " ورفعت رأسها لترى شحوب وجهه من الغضب ونظر إليها بازدراء قائلاً : " أما زال يعني لك كثيراً بحيث تريدين مساندته مهما كان نوع عمله؟ " قالت شبه هامسة : " إنني آسفة لم اكن اقصد أن تفهم الأمر بهذه الطريقة . " كانت تشعر بخيبة مرة لرحيله مفضلاً العمل عليها ومحتفظاً بهذه الفكرة وشعرت بالتعاسة وهي تفكر بهذا . قال : " إذن أخبريني كيف كان من المفروض أن أفهم دفاعك هذا عنه ؟ " وكأنما ندم على انفجاره هذا فيها فاستطرد يقول بلهجة اكثر اعتدالاً : " انك لم تمدحيني بكلامك ذاك . " وهزت كتفيها بأسى . كيف يمكنها أن تشرح مشاعرها المضطربة دون أن تفضح مدى حبها له؟ ويكف أن ذلك الأسبوع الذي سيغيبه عنها سيبدو لها دهراً؟ إن علاقتهما لم تكن مهيأة بعد للاعتراف فقد يشعره هذا بالحرج أو يزيد في نفسه التسلية ولم تعرف أيهما الأسوأ ثم تمتمت وفي كلامها شيء من الحقيقة : " ليس في إمكاني تجاوز الصدمة إذ أسمع أن شخصاً كنت أضع فيه ملء الثقة يغدر بي بهذا الشكل . " فقال : " يمكنني تصور ذلك . على كل حال ، فإنني لا أريد أن أضيع الوقت القليل الذي بقي لنا في الحديث عن سيمون الغالي . عليكِ أن تصلي إلى صيغة مناسبة لمواجهة تعامله المزدوج | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:26 am | |
| هذا بطريقتك الخاصة ثم تتوصلين إلى قرار معقول وهذا آخر ما أريد سماعه في هذا الموضوع . " وتناول معطفه الفاخر من على المشجب ثم وضعه على كتفيه واسبغ هذا على منظره المزيد من الوقار وكأنه قادم من عالم آخر . لم يبد لها قط من قبل بمثل هذه السمرة والغرابة . قال : " سنذهب لتناول الغداء فما زال أمامنا وقت كاف قبل أن يحين موعد ذهابي إلى المطار . " ومد لها يده فأمسكتها بسعادة . بدت عليه رغبة قوية في أن يضع ذكر سيمون وقضيته وراء ظهرهما وكذلك كانت هي وتمنت لو حاولت إقناعه بحقيقة علاقتها بذلك الرجل ، اكثر مما فعلت ولكن هذا الوقت لم يكن مناسباً على الإطلاق لبحث موضوع كهذا فقد أعلن بحزم أنه لا يريد أن يسمع اسم سيمون بعد الآن بل أنه ربما فسر محاولتها إيضاح الامر بأنها مجرد محاولة منها للتنصل من هذا الرجل الذي تلوث اسمه بمثل هذه الأعمال . وهكذا ستترك هذا الامر و كلها ثقة من أنه عاجلاً أم آجلاً سيدرك الحقيقة بنفسه وقد تأجل هذا الأمر الآن وحاولت ألا تظهر أمامه ما يعتمل في أعماقها من كآبة وغم بينما كانت تبكي في داخلها . مرت الساعة التي أمضتها معه أسرع مما تصورت واعترفت لنفسها وهما يتناولان الطعام الشهي في المطعم بأنها لا تحتمل فراقه هذا وكان هذا المطعم الصغير الخاص القائم في إحدى زوايا لندن غير المعروفة من الاكتشافات المحببة التي سبق واكتشفتها مع أبيها منذ عامين وقد سرت الآن بشكل خاص لمعرفتها به الذي وفر على كارلو الوقت بدلاً من الذهاب إلى قلب المدينة . وقال : " عندنا الكثير لنتحدث فيه ولكن ليس لدينا الوقت الكافي ." وابتسمت لها عيناه السوداوان بينما ابتعد النادل ليحضر لهما الطعام وعضت فينيتيا شفتها السفلى بأسنانها ثم ابتسم لها تلك الابتسامة التي أدارت رأسها والتي جعلتها تعتقد بأنها ربما تعني له شيئاً وشيئاً غير عادي لا يمت بصلة إلى مجرد الاستبداد ، وحاجة رجل أعمال الى أن يكمل عملاً لم ينته بعد . وتشابكت أعينهما وهو يقول : " وهكذا نأتي إلى المهم سنتزوج في غضون ثلاثة أسابيع وأظن أن احتفالاً بسيطاً هو الأفضل باعتبار فجيعتك الحديثة بوالدك أليس كذلك ؟ " ودون أن يترك فرصة الإدلاء برأيها استطرد قائلاً : " يمكنك أن تتركي كل شيء لي وكل ما عليك أن تفعليه هو أن تختاري ثوب الزفاف جميلاً ثم تحزمي أمتعتك لرحلة شهر العسل والذي هو بهذه المناسبة ... " ومال إلى الخلف بعد إذ وصل النادل يحضر الطعام ، بينما عيناه لم تبارحا وجهها وهو يتابع : " سنمضيه في بيتي في سردينيا . " ضاقت عيناها المنغوليتان الجمال وهي تعبس فجأة التقط كارلو شوكته وهو يرفع حاجبيه متسائلاً :" هل لديك اعتراض؟ وهل تفضلين مكاناً آخر؟ " أجابت : " كلا ، كلا بالطبع . " وترددت قليلاً ثم تابعت تقول : " كل ما في الأمر هو أنني لا أعرف عنك سوى القليل لم اعرف آن لك منزلاً في سردينيا هذا كل شيء . " والتقطت شوكتها هي أيضاً ثم ابتدأت تأكل وقد أدهشها فجأة بغموضه . ثم هذه البحة العميقة في صوته عادت تدهشها مرة أخرى حاملة عينيها على ملاقاة عينيه وهو يقول : " أن حياتي كتاب مفتوح وما عليك إلا أن تسأليني لتسمعي مني كل شيء على كل حال ... أظن أن من دواعي سرورنا أن يكتشف كل منا الآخر . " كانت كلماته هذه ولهجته تعيد إلى ذاكرتها صوراً جعلت الدم يصعد إلى وجنتيها وهذا ما كان دون شك هدفه من حديثه ذاك وبينما أخذت تحاول تمالك مشاعرها قال : " لا تقلقي بالنسبة إلى العمل فكل شيء سيكون على ما يرام ..و إياك أن تفكري ببيع المنزل إذ أننا سنمضي فترة في كل عام في انكلترا و سيكون مركزاً ملائماً لنا وإذا كان القلق يتملكك لتركه خالياً مدداً طويلة لماذا لا تبقين على بوتي لتحفظه في غيابنا؟ واكثر من ذلك ... لقد سبق و أخبرتني أن بوتي تشعر بالمسؤولية تجاه أختها أليس كذلك ؟ وأنها تشعر بالذنب لعدم تمكنها من رؤيتها بشكل كاف كما هو الحال الآن فلماذا لا نحول غرفتين خلف المنزل إلى سكن تنتقل إليه شقيقتها آندي ؟ إننا بهذا نصيب عصفورين بحجر واحد إذ نزود بوتي بوظيفة ونجعل للمنزل من يقيم فيه ثم نوقف آندي عن التذمر لما تتصوره من الإهمال نحوها . فكري في هذا . " أجابت : " سأفعل ذلك . " إنها ستفعل ذلك إنما ليس الآن سألته : " هل ستفتقدني؟ " لامت نفسها لهذا الحنين الذي بدا في صوتها ولتلك الإشارة الفاضحة في لهجتها والتي قد تكشف له عن شعورها نحوه . ولامت نفسها مجدداً وهي تلمح تألق البهجة في عينيه وهو يومئ بالإيجاب مؤكداً ذلك بصوت هو بمثل رقة ابتسامته ما جعلها تعتقد للحظة أنه يعني هذا حقاً . وظلت تعتقد ذلك إلى أن أفسدت كل شيء عندما عاد النادل ليرفع الأطباق فابتسمت له مخاطبة إياه باسمه فقطب كارلو جبينه وهو يقول ببرود : " يبدو أنكِ معتادة على الحضور إلى هنا وأظن أن هذا هو ( المكان المعتاد ) الذي اعتدت وسيمون على تناول الغداء فيه في اجتماعاتكما . من المؤسف أنني حتى هذه اللحظة كنت في منتهى الاستمتاع . " وما أن فتحت فمها لتنكر أنها سبق وجاءت إلى هذا المكان مع سيمون و إنما مع أبيها فقط ، أسكتها قائلاً : " لا تدعينا نجعل من هذا الأمر موضوعاً للجدل إنني على أتم الاستعداد لنسيان حتى وجود هذا الحقير في هذا العالم إذا أنتِ فعلت الشيء نفسه سيكون لكِ مستقبل فقط دون ماض والآن عليكِ أن تعذريني . " دفع بنفسه بعيداً عن المائدة ثم أشار بإحضار الفاتورة إلى النادل الذي كان دون وعي منه سبباً للخلاف ، واندفعت فينيتيا تقول : " هكذا إذن؟ فأنت تعتنق فكرة حمقاء ولا تريد أن تتخلص منها حسناً إنني آسفة لأجلك . " وكانت وجنتاها متوهجتين وهي تلتقط قفازيها وحقيبة يدها بينما كانت تنظر إليه عبر المائدة بنقمة . ليس ثمة حاجة لأفساد هذه السويعات الهادئة الرقيقة لمجرد كلمة في غير محلها فهل سيكون المستقبل معه عذاباً بهذا الشكل؟ وتوترت شفتاها وشحب وجهها وعيناها تلتقيان بعينيه ، وهي تستطرد قائلة : " بما أننا ما زلنا في أول الطريق فأحب أن أخبرك أنك لان تتزوج مخلوقة من دون ماضٍ كما أظنك قلت ودون عقل مفكر و إنما مستقبل فقط يرقص على ألحانك التي تتغير في كل لحظة . " وارتجف صوتها فسكتت لحظة تمالكت فيها نفسها ثم سارت أمامه إلى الرصيف لتعود فتستدير إليه قائلة وقد شحب وجهها : " إن عندي شيئاً من الكرامة ولهذا لا أرى أنني أستطيع أن أتعامل مع مستقبل يجمعنا من النوع الذي تفكر فيه . " فنظر إليها بملامح لا تعبر عن شيء وهو يجيب : " بل ستتعاملين معه بشكل رائع وأنا أعرف تماماً ما هو نوع زوجتي المستقبلية . " وأمسك بذراعها يعيدها بقوة نحو المكتب بينما هي محبوسة لأنفاس لا تجد جواباً وهو يستطرد قائلاً ببرود : " وإذا كان في استطاعتي أنا التعامل مع هذا فهو في استطاعتك أنت أيضاً .
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:26 am | |
| جاءت مكالمة كارلو الهاتفية بينما كانت فينيتيا تستعد للنوم وسرعان ما اكتسح فرح سماعها صوته تلك الكآبة التي كانت تكتنفها وهي تفكر في أن تدير ظهرها لهذا الزواج وعندما وصلت وروده في الصباح التالي ، أدركت أن عليها أن تواجه الحقيقة وهي أنها ستبقى على الدوام ، طيبة القلب سهلة الإرضاء بالنسبة إليه . لم تكن تستطيع الصبر على غيابه ومما كان مكتوباً على البطاقة المرفقة بالزهور أدركت انه يشعر بنفس الشيء هو أيضاً ولكن كان عليها أن تجد ما تملأ به وقتها لكي تشغل ذهنها عن غيابه . عندما جاءت بوتي أخيراً إلى المنزل كانت في غاية السعادة لسماعها خبر زواج فينيتيا وزادت سعادتها حين سمعت قرار إحضار أختها إلى المنزل للسكن معها. وسألتها فينيتيا قائلة : " هل ستمانع أختك في التخلي عن منزلها واستقلالها للقدوم إلى هنا؟ . "
أجابت بوتي : " يسرها أن تتخلص من تلك المسؤولية وإذا كانت هنا فلن اشعر بعد ذلك بالذنب إذا لم اذهب لزيارتها عندما يكون علي ذلك لأنني عندما حبستني الثلوج عندها في البيت كاد يصيبني الجنون فهي على الأقل ستكون سعيدة إذا أنا صعدت لرؤيتها لمدة عشر دقائق ، عشر مرات في اليوم هذا إذا جاءت لتقيم هنا . وماذا سترتدين في حفلة زفافك؟ إن هذا هو أهم شيء في الوقت الحاضر ، اعرف انه سيكون احتفالاً خاصاً وليس ثمة شيء يمنعني من أن أكون موجودة . " مدت فينيتيا ذراعها تحتضن المرأة المسنة وهي تقول : " وهل يعقل أن أتزوج دون أن تكوني موجودة ؟ فأنت أمي الثانية فلا تنسي هذا أبداً . " قالت بوتي مازحة : " إذن اتفقنا . " ثم جلستا في المطبخ تتناولان فنجاناً من الشاي وتتحدثان في الأمر . اختفى الثلج بنفس السرعة التي أقبل بها تقريباً ليستحيل الشتاء ربيعاً بين ليلة وضحاها وقررت فينيتيا لكي تبقى ذهنها مشغولاً عن التفكير في كارلو أن تشغل نفسها في تمضية النهار في لندن حيث تزور محلات هارودز لشراء ثيابها وذلك في فترة إعادة التنظيم في الشركة . كان الحديث عن طرد سيمون على ألسنة المستخدمين ، ولكن فينيتيا رفضت أن تنساق معهم في الحديث عن هذا الموضوع . فقد كانت خيانته ما زالت تؤلمها إنها لم تستطع أن تتصور كيف أمكنه خداعهما بهذا الشكل وخاصة أباها الذي كان دوماً يكن له الاحترام والتقدير . وكان وصول روبرتو تورينو ، محامي شركة كارلو قد شغلها معه ومع محامي الشركة في اجتماع خاص ، يبحثون في التفاصيل النهائية للاندماج القادم ، حيث ختمته برفض دعوة السيد تورينو إلى العشاء بكل ما أمكنها من ظرف . كان اليوم طويلاً ناجحاً ولكنه مرهق . لقد مضى على غياب كارلو أربعة أيام . وكل ما كانت تريده هو الذهاب إلى فراشها باكراً لتحلم به . وعندما يأتي الصباح ، سيكون أمامها أن تقضي ثلاثة أيام أخرى قبل أن تراه . كانت بوتي تمضي فرصتها الأسبوعية في نادي القرية وكان الوقت ليلاً والمنزل هادئاً ، عندما جلست فينيتيا تقرأ ملاحظة تركتها مدبرة المنزل لها على المنضدة في القاعة وفيها أن ثمة أناء يحتوي على اللحم في الفرن وكانت لا تستسيغ هذا النوع من الطعام . ولما كان كارلو بعيداً فقد شعرت بتوتر في أعصابها ما جعلها غير واثقة منه ، وكذلك غير واثقة من مستقبلها معه ، وما قد يسببه ذلك لها من ألم ولكن ربما سيتصل بها مرة أخرى هذه الليلة . كان سماعها لصوته الدافئ ينعشها على الدوام ويجعلها اكثر ثقة في المستقبل . فهو لم يتصل بها ليلة أمس وربما هذا ما جعلها تشعر وكأنها تسير على الجمر . لقد عاد إلى مركزه الرئيسي في إيطاليا استجابة لاجتماع عاجل ، ويقوم بأكبر قدر ممكن من الأعمال لكي يكون عنده بعد ذلك الفراغ الكافي لقضاء شهر العسل في سردينيا حيث العمل هو آخر شيء ينبغي لهما التفكير فيه ، لهذا ليس من الغريب ألا يتمكن من الاتصال بها هاتفياً كل ليلة ، كانت تفكر في كل هذا وهي في طريقها صاعدة إلى غرفتها لتغير ثيابها وتغتسل . وبعد نصف ساعة ، عادت فنزلت إلى الطابق الأسفل بعد أن اغتسلت وارتدت رداء منزلياً مريحاً فيروزي اللون كانت تريد أن تسترخي في غرفة الجلوس الصغيرة أمام نار المدفأة وفي يدها ساندويتش ثم تشاهد التلفزيون . وفي غرفة الجلوس الدافئة هذه ، أنارت المصباحين الموضوعين على المنضدة ثم أطفأت النور الرئيسي وجعلها تراقص اللهب والضوء المنير من المصباحين على الجدار المغطى بخشب السنديان تشعر بحزن يغمر نفسها وباكتئاب مفاجئ احدث في حلقها غصة . كانت هذه الغرفة من بين كل غرف المنزل الرائعة الجمال هي الغرفة المفضلة لها و لأبيها ولطالما امضيا معاً ساعات استرخاء طويلة ممتعة يلعبان فيها الشطرنج ويستمعان إلى الموسيقى أو يتحدثان ببساطة . خيل إليها انه يبتسم لها من كرسيه القديم ذاك بجانب المدفأة ، أن يطلب منها أن تحدثه عما حدث معها أثناء النهار . عندما سمعت صوت جرس الباب ساورها شعور بالارتياح إن رؤية أي كان كفيلة بأن يزيل هذا الشعور المؤلم بالوحدة . فتحت الباب الرئيسي فوجدت كارلو واقفاً على العتبة و ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وهي تنظر بغباء لحظة وقد توقفت أنفاسها وقد انتابتها بهجة عارمة . قال : " هاي! هل سأبقى هكذا واقفاً على العتبة؟ " أجابت باسمة وقد بدت في عينيها نظرة ماكرة : " كلا . " لقد اختفت المرأة العاقلة المتزنة التي طالما روضت نفسها على أن تكونها ، دون أن تعير ذلك أي اهتمام! لقد عادت إليها طبيعتها مرة أخرى ووجدت لذلك متعة كبيرة وتابعت تقول : " لم تتصل بي هاتفياً ليلة أمس لقد ظننتك نسيتني ... آه يا كارلو لا تتصور كم اشتقت لك . " قال : " إنني لن أنساكِ أبداً ثقي بهذا . " وغمر الدفء قلبها و أول شعاع حقيقي من الأمل في أن يدخل حبها قلبه ، يغمر نفسها وسألته : " متى عدت إلى انكلترا؟ " قال : " منذ حوالي الساعة والنصف وقد جئت مباشرة من المطار . " وقالت تلومه برقة : " كان عليك أن تخبرني مسبقاً بحضورك إذ ربما لم اكن موجودة؟ " أجاب متمتماً : " عليكِ أن تكوني دائماً موجودة عندما أريدك وأنا لا أطلب أقل من ذلك . " وعاد يقول بعد لحظات : " هل سنحتفل بلقائنا هذا على العتبة يا عزيزتي؟ أظنك تشعرين بالبرد . " فأجابت : " آسفة . " وجذبته من يده إلى الداخل من الظلام إلى النور ورأت ثمة ضوء سيارة قادمة نحو المنزل . كان الوقت ما يزال مبكراً لعودة بوتي إلا إذا كانت تشعر بوعكة وشعرت بالخوف لهذه الفكرة ولهذا عندما خرج سيمون من السيارة شعرت بالارتياح . وسمعت كارلو يتفوه بشيء باللغة الإيطالية لعله شتيمة وهو يدخل القاعة . ولكن ارتياح فينيتيا لكون مخاوفها من أن تعود بوتي مريضة الى المنزل منعها من أن تلقي إلى انسحاب كارلو عابساً إلى الداخل ، اكثر من تقطيب حاجبيها . وفكرت في أنه بطبيعة الحال لن يكون مسروراً بحضور أحدهم خاصة سيمون بعد أن فعل فعلته ضد الشركة التي كانت تدفع له أعلى أجر لسنوات كثيرة ومع هذا فان التهذيب جعلها تتقدم إلى الأمام لتقف تحت دائرة الضوء لتسأله بكياسة عفوية تخفي الانزعاج والكراهية : " ماذا يمكنني أن افعله لأجلك يا سيمون؟ " | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:27 am | |
| ولم تكن تتوقع أن ترى منظره بتلك الخطوط المرتسمة على وجهه الشاحب والتي لم تعهدها من قبل ولا في الطريقة التي قال فيها بفظاظة : " انكِ تعرفين جيداً ماذا يمكنك أن تقومي به لأجلي يا فيني؟ " ثم قفز الدرجات ليدخل من الباب ثم يصفق الباب وراءه بعنف . عند ذلك فقط تكلم كارلو قائلاً : " أمامك خمس ثوان تبسط خلالها قضيتك يا كيرو خمس ثوان بينك وبين المقاضاة القانونية بدلاً من أن تخرج طرداً على الفور . " لم يكن في صوته أية شفقة لا شيء سوى التصميم البارد الحازم ، وارتجفت فينيتيا وهي تشعر بالأسف لأجل هذا الشاب لأنه فعلاً كان يستحق كل ما فعله كارلو به . وشعرت بسيمون يجاهد في تمالك نفسه ليستطيع الوقوف على الأرض المهتزة تحت قدميه فهو إذا حاول أن يتحدى كارلو ، فانه سيتسبب لنفسه بالعقاب . ولم تشأ فينيتيا أن تسمح بهذا . فقد كان عليها آن تهدئ من الأمور بشكل ما وهكذا وجهت كلامها إلى سيمون قائلة بصوت بارد كالثلج : " سيمون أيمكنك أن تعرض ما جئت لأجله في خمس دقائق؟ " وإزاء إيماءته المختصرة ألقت إلى كارلو بنظرة استرضاء ولكنه رد عليها بنظرة شرسة ليساورها شعور بأنها اقترفت غلطة فاحشة . وفكرت وهي ترى خطيبها يدير ظهره مبتعداً نحو المطبخ أنها ستوضح له الأمر فيما بعد ، وذلك بأن تجنبه مواجهة عنيفة وهو شيء لا بد أن يحدث إذا طرد هو سيمون دون أن يسمح له بالإفصاح عن الغرض من قدومه وتوضح أيضاً بأنها تصرفت كما لو كان والدها مكانها ، وذلك بأن تحاول أن تعرف لماذا يقرر موظف مثله أن يخدعهم .. هكذا بشكل مفاجئ ... وعادت تقول وهي تسير أمام سيمون متجهة نحو غرفة المكتبة : " خمس دقائق وإذا كنت قد أقبلت لتطلب أعادتك إلى عملك فهذا الأمر لا يتعلق بي وأنت بذلك تضيع وقتك فنحن كما تعلم سنندمج مع شركة روسي مما يسلبني استقلالي في الحكم وبجانب هذا .... " وجلست على كرسي والدها وراء المكتب وهي تشير إليه بالجلوس على كرسي اصغر إلى جانبها قائلة : " كما انه ليس لك الحق في ذلك بالنسبة لما اقترفته بحق الشركة ، لقد كنت دائماً اعتقد انه يمكن الوثوق بك . " فنظر سيمون إليها بنفاذ صبر وقد احمر وجهه ثم أجاب بحدة : " انكِ لم تفهمي حقاً أنني أخذت بعض الرشاوى البسيطة ولكنني اعتبرتها جزءاً من العمل الذي أقوم به ... ويمكنك أن تعتبريها إكرامية كما أن انجي مسرفة جداً . " فقالت بجفاء : " لم يمض على زواجك وقت طويل فلا تلق بكل اللوم على زوجتك هذا إلى أنها تكسب من مهنتها ما فيه الكفاية لتنفق على نفسها بمثل هذا السخاء . " وابتدأت تشعر بأنه ما كان لها أن تسمح له بتجاوز عتبة الباب . فقد اعترف صراحة بأنه أخطأ في حق الشركة وهو ليس من الغباء بحيث يعتبر أن عمله ذاك مجرد إكرامية . وكونه وضع اللوم على زوجته فتح عينيها إلى ناحية سيئة من أخلاقه . الناحية التي نسيتها خلال السنوات الماضية من تأثير تزلفه إليها . ولكن سيمون هز رأسه وهو يكرر : " انكِ لم تفهميني ، فان ما اكسبه أنا وما تكسبه انجي تنفقه هي بأجمعه ومهماً كان مقداره فهو غير كاف . " ووقف وقد بدا عليه القلق وأخذ يذرع الغرفة واضعاً يديه في جيبي بنطاله ، وقد رفع كتفيه متوتراً وهو يتابع قائلاً : " أنني سأطلقها ما كان لي أن أتزوجها مطلقاً ولا أدري كيف حدث هذا لقد دمرت مهنتي بأكملها ... فما الذي ستفعله بالنسبة لهذا؟ " وكان يقلد وهو يقول هذا كلامها بقسوة وهو يتابع قائلاً : " ولا حاجة بي للقول إن كلامها هذا كان مجرد وهم أو كذب محض . كانت تريد رجلاً يزودها بكل ما تريد أو تظن أن لها الحق فيه . وهكذا أوقعتني في فخ الزواج . " . فقالت فينيتيا بجمود وهي تقف : " إنني آسفة . " لقد كانت تلك مشكلاته الخاصة وهي ليست مبرراً لعدم أمانته هذه مطلقاً . وربما انه يأخذ الرشاوى منذ سنوات وقبل أن يتعرف إلى زوجته . وعندما فكرت في مبلغ ثقة أبيها به اشتعلت غضباً . يبدو أن سيمون أساء فهم سبب غضبها هذا فامسك بكتفيها وهي تسير نحو الباب وأدارها نحوه قائلاً : " لا تغضبي فقد كان زواجي غلطة كبيرة . انك المرأة الوحيدة التي أحببتها وأنا لا أريد العودة إلى وظيفتي وليس هذا هو السبب في قدومي فأنا لن اشتغل عند كارلو روسي ولو دفع لي الذهب واللآلئ . " قالت له ببرود : " دعني اخرج من فضلك . " قال : " انكِِ لا تعنين هذا وأنت تعلمين ذلك . " واخذ يهمس في أذنها قائلاً : " كلانا معجب بالآخر منذ سنوات ، ولكنك كنت مراهقة وقد استعجلتك أنا إذ كنت تبدين مستعدة للحب وقد نسيت مبلغ صغر سنك حتى أنذرتني بإفقادي وظيفتي أتذكرين؟ وهكذا تراجعت ولكن إعجابي بكِ لم يتوقف قط . " وشعرت نحوه بالاشمئزاز وأخذت تضربه على صدره بعنف دون فائدة ولم تكن مقاومة قوته المتفوقة لتجدي كما رأت . وإذا هي رعت صوتها بالصراخ مستنجدة بكارلو ، فسيهرع هذا لنجدتها ولكن ماذا سيكون الثمن؟ ولكن الأهم من ذلك أن هذا الوضع ربما سيقوي من اعتقاده في أنها سيمون كانا حبيبين من قبل لسنوات فهو الآن إنما يريد أن يسترد حقه ، وأنها المسؤولة عما حدث والذنب في ذلك ذنبها كان عليها أن تتخلص من هذا الوضع بشكل ما ، فلوت رأسها بعيداً عنه لتقول له : " هذا لن يفيدنا بشيء أنني لا أريد أن أقاومك فلماذا إذن لا تخبرني بسبب قدومك إذا لم يكن هذا لأجل استرداد عملك؟ أنني مستمعة إليك . " كان قلبها يخفق بشدة وهي تشعر بالغثيان والاشمئزاز البالغ ولكن يظهر أن كلماتها المهدئة قد أدت إلى نتيجة إذ تراخت قبضته عليها نوعاً ما وهو يقول : " أنني اعلم انكِ لا تريدين أن تقاوميني يا فيني .... إنما لا يمكنك أن تستغفليني أتذكرين؟ من هو الذي لجأت إليه عندما أردت أن تطلعي على شؤون العمل كافة؟ ومن هو الذي وقف بجانبك عندما توفي والدكِ؟ ولكن ، هنالك موضوع .. أنني لم أوضح لك ما أريد . أسمعي لقد سبق و أخبرتك أنني أريد أن أطلق زوجتي . تزوجيني يا فيني ... أنسي روسي أنني أعرف سبب في موافقتكِ على الزواج به ... فأنتِ تريدين الاستقرار لمستقبل الشركة وقد كان ذلك واضحاً حين أعلن قرار خطوبتكما ، حسناً اتركي الشركة ما الذي يجعلك تضحين بنفسك بهذا الشكل ؟ " انشغلت فينيتيا بالتفكير في ما قاله ، هل ضمن كارلو فعلاً بإعلانه خطوبتهما في ذلك الاجتماع أن زواجهما إنما هو لمصلحة الشركة وليس لأي غرض آخر؟ . حتى وان كانت تلك هي الحقيقة فقد آلمها أن يظهر ذلك للملأ و الأسوأ من ذلك أن هذا أعطى سيمون المبرر لاقتراحه الكريه هذا . وتملصت بحذر من يديه لتشعر بالارتياح عندما سمح لها بالرجوع خطوة إلى الوراء ولكنه كان يقول بكلمات سريعة لا تكاد تسمع : " بيعي أسهمك في الشركة لروسي فهذا كل ما يهمه أمره ثم اتركي الشركة تخلصي من هذا الضريح الفخم ، وسنذهب معاً أنا وأنتِ فقط ، فكري في هذا ... انكِ لن تندمي أبداً على هذا القرار أنه وعد مني . " وبالكاد سمعت ما يقوله ، إذ كانت تفكر في طريقة تمكنها من أن تجعله يخرج بهدوء دون ضجة تجعل كارلو يهرع إليهما . عندما وصل صوت من عتبة الباب يشق حرارة ذلك الجو كحد السيف ، يقول ببرود : " ثمة وعد مني أنا أيضاً ، فأنا اضمن لك يا كيرو انك إذا لم تخرج الآن حالاً ، فان الشيء الوحيد الذي ستراه في الشهور الستة القادمة هو داخل القسم في المستشفى . " منذ متى كان واقفاً يستمع؟ وكم سمع من حديثهما؟ وتجمدت فينيتيا في مكانها وكذلك الدم في عروقها واستدارت ببطء ولم يتحرك كارلو ، لأنه لم يكن في حاجة لذلك فقد كان تهديده فعالاً ... كان شيئاً لا يمكن أن يتجاهله رجل عاقل كما أن سيمون لم يكن مجنوناً تماماً ، رغم رأيها فيه وهي تستمع إلى اقتراحه ذاك ، ذلك أنه لم ينطق بكلمة و إنما اندفع خارجاً من الغرفة مبتعداً عن عيني ذلك الإيطالي السوداوين الصوانيتين . وساد بعد ذلك صمت عميق وبللت فينيتيا شفتيها بلسانها وهي لا تجد ما تقوله . فإذا هي أخذت تدافع عن نفسها متعثرة بالكلام ، فأن كارلو سيعلم أن شيئاً قد حدث فهو ليس متأكداً من براءتها أبداً ليعتبرها فوق الشكوك . كل هذا يعتمد على مقدار ما سمع من كلامها وكيف فسر اندفاع سيمون ذاك ولكنها تنفست بارتياح عندما تقدم كارلو إلى وسط الغرفة ، وهو يقول بصوت عادي تماماً : " لقد تجاوز الخمس دقائق التي منحتها أنتِ له . وأنا متأكد تمامً من انكِ لا تريدين تمديد اجتماعك الأخير معه . " وتقدم ليقف وراء مكتب أبيها وأصابعه تعبث بالأوراق التي فوقه قائلاً : " افهم من هذا أن ما قاله لكِ كان محرجاً؟ "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:27 am | |
| وصعقت وجفت شفتاها خوفاً وهي تردد بصوت خشن : " محرجاً ؟ " و تساءلت أنه سمع ذلك السخف الذي قاله سيمون .... وعما إذا كان عليها أن تبدأ بالدفاع عن نفسها وتدلي بأعذار واهية تقوي شكوكه فيها . ولكن كارلو قال ببساطة : " وماذا غير ذلك يمكنك أن تشعري به وأنتِ تتحدثين إلى رجل اثبت أنه افضل قليلاً من أي لص عادي؟ والأسوأ من ذلك خداعه لكِ وقبل ذلك لأبيك . " وسرت فينيتيا لهذا التفسير الواضح وافترت شفتاها عن ابتسامة ارتياح وقالت : " تماماً! . " ثم ولأنها لم تشأ أن تتحدث عن سيمون اكثر من ذلك ، أو حتى تفكر فيه مشت نحو كارلو ناظرة إليه بعينين دافئتين وهي تقول : " هيا بنا إلى غرفة الجلوس حيث يمكننا أن نأكل فقد تركت لنا بوتي بعض الطعام . " قال بلطف : " لا أظن ذلك . فقد صنعت لنفسي قهوة أثناء انتظاري توديعك لكيرو .
كان صوته رقيقاً ليناً كالحرير ، ولكن عينيه كانتا باردتين كالثلج . وارتجفت فينيتيا برغمها وهي تعض على شفتها بقوة بينما كان هو يقول بابتسامة مهذبة : " لم يكن لدي وقت لأخبرك بأنني قررت أن من الأفضل أن أحجز غرفة في الفندق إلى أن يحين موعد الزفاف . وسنتعشى معاً غداً إذ أن ثمة تدابير عدة يجب أن نتحدث فيها " قالت : " هل عنيت الزفاف أم دمج الشركتين؟ " يمكث في فندق ... هذا شيء مؤلم . ذلك أنه في الوقت الذي ظنت فيه أن صلة بينهما توشك على الالتحام ، إذا به يتراجع دون أن تدرك السبب . من الواضح أنه لم يحضر إلى الغرفة في الوقت الذي كانت تحاول فيه الإفلات من قبضة سيمون كما أنه لم يسمع ذلك الهراء الذي كان ينطق به وآلا لعملت بذلك! . أذن فلا يمكن أن يكون هذا هو سبب تراجعه الجاف ، وإذا كانت كلماتها قد عبرت عن شكوكها متضمنة شيئاً من المرارة فما كان في استطاعتها منع ذلك . وبينما كان الضيق البالغ يتملكها لابتعاده عنها قال لها بصوت رقيق : " عنيت زفافنا طبعاً ، نامي جيداً يا زهرتي واحلمي بي . "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:28 am | |
| مرت الأسابيع الثلاثة الأخيرة كالحلم . وشعرت فينيتيا أنها غير حية على الإطلاق فقد غطت الذكريات التي أخذت تجترها واقعها الحالي . حتى عريسها بدا أمامها وكأنه خيال من تصوراتها أكثر منه مخلوقاً من لحم ودم . ورمقته بنظرة باسمة بينما كانت طائرة روسي تستعد للهبوط في مطار الغيرو . وكان البحر الأبيض المتوسط يموج فوق الشواطئ البيضاء في شمال سردينيا . بدا وجهه شاحباً وفمه متجهماً وقد ظفرت بالكاد بابتسامة صغيرة منه منذ عقد قرانهما وأصبحا زوجاً وزوجة في احتفال هادئ وذلك منذ ساعات قلائل . ولكنها وجدت له عذراً لذلك في أنه أرهق نفسه وذلك بالإصرار على زيارة كل فرع من شركة روس البريطانية المنتشرة في أنحاء بريطانيا ، فهي لم تكد تراه أثناء الأسابيع التي سبقت الزفاف مع أنه كان يتصل بها هاتفياً كل ليلة . وارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي ترمق بعينيها الكحيلتين قامة زوجها الرائعة . لقد أدركت الآن السبب في ارتمائها في أحضان العمل مكرسة له كل اهتمامها دون أن تخرج قط مع الشبان ، ونادراً ما كانت تحضر المناسبات الاجتماعية . لقد كانت في عالم النسيان ذلك أن قلبها ونفسها كانا رهن الرجل الوحيد الذي ليس في إمكانها أن تحب سواه . وقالت بصوت خشن : " كم تبلغ المسافة إلى الفيلا؟ وكم تأخذ من الوقت؟ " أجابها كارلو : " إنها على بعد حوالي عشرين دقيقة بالسيارة وسيكون لويجي في انتظارنا بالسيارة . " كان كارلو مشغولاً بالأوراق هذه أثناء مدة الطيران . وقد استولى عليها النوم أثناء الرحلة حوالي ساعة بعد أن غمرها الإرهاق حيث أن عينيها لم تعرفا النوم طيلة الليلة الماضية ، فقد كان عقلها مشغولاً بالتفكير في يومها الآتي .... يوم عرسها . وكان هو يتابع قائلاً : " وبعد ذلك يمكنك أن ترتاحي . " وكان في هذه الأثناء يقفل حقيبته بعنف ويفك حزام مقعده بعد أن حطت الطائرة . واستطرد قائلاً : " وستوصلك روزا إلى غرفتك ثم تحضر إليك صينية الشاي وبعد ذلك ترتاحين ساعة قبل أن يحين موعد العشاء . " قالت فينيتيا : " روزا ؟؟ " واستدارت إليه عيناها متسائلتين ولكنه لم يكن ينظر إليها وكان تألق ابتسامته موجهاً نحو المضيفة الجميلة التي أخذت تساعدهما على النزول من الطائرة . وأمسكت فينيتيا لسانها عن الكلام ، فالوقت لم يكن مناسباً لكي تسأله لماذا ليس هو من سيوصلها إلى غرفتها . في بريطانيا ، كان قد أوضح لها وهما في طريقهما إلى المطار أن روزا ولويجي يرعيان الفيلا التي تمضي فيها الأسرة إجازاتها . وهما من مواطني الجزيرة ويكنان لهم ولاء عميقاً وهي فينيتيا ستجد عندها كل مساعدة تطلبها لأنها زوجته بالرغم من صعوبة اللغة بينهما . وأثارت هذا الموضوع الآن بعد أن ابتعدا عن المطار في طريقهما إلى الفيلا وذلك بقولها : " إن علي أن أتعلم هذه اللغة أليس كذلك؟ " وألقت ابتسامة ناحية لويجي . كان هذا رجلاً قصيراً قوياً ممتلئ الجسم وفي منتصف العمر ، قدم إليهما تحية حارة غير مفهومة . وكانت عيناه البنيتان تطرفان بالسلاسة والنفس المرحة . وبجانبها كان كارلو جالساً وهو يهز كتفيه قائلاً : " إذا كنتِ تريدين ذلك حقاً . " أجابت فينيتيا : " طبعاً أريد . فالإيطالية لغة أسلافي رغم كل شيء وعندما أقابل أفراد أسرتك سيكون من السهل علي التخاطب معهم . " وكانت لهجتها وهي تقول ذلك مشوبة بشيء من السخرية ما جعلها تتساءل عما حدث لها ، فقد كانت و كارلو في بداية شهر العسل فلماذا ردت عليه بهذا الشكل بينما جوابه لها كان مناسباً تماماً لتعليقها : " أسلافك؟ لقد كانت أمك إنكليزية . " فقالت تصحح كلامه : " إنها في الحقيقة من منطقة ويلز . " أجاب برقة : " ولكن أسرتي التي ستتعرفين عليها عندما نعود إلى بلدنا كل أفرادها يتكلمون لغتك وبالنسبة إلى روزا ولويجي فانهما يتكلمان الكاتالانية ذلك أن مواطني سردينيا متعصبون للغتهم القومية المختلفة عن تلك وعلى كل حال ... فهم جميعاً يتكلمون الإيطالية بشكل يدعو إلى الإعجاب . وقد تقبل روزا أن تعلمك شيئاً منها . " كانت هزة كتفيه الخفيفة والطريقة التي أدار بها رأسه ليحدق من النافذة بجانبه جعلتها تفهم أنه لم يكن ليهمه ذلك . وكان لالتواء فمها باستياء أن يخبره لو أنه كان ينظر إليها ، أن رغبته في الإلقاء بها على عاتق روزا لم تكن بالضبط ما تصورته عن شهر عسلهما . وأدارت رأسها لتحدق من النافذة هي أيضاً ولكن عينيها المغرورقتين بالدمع لم تسمحا لها بأن ترى أياً من المناظر على الإطلاق . لقد كان بعيداً عن التصرف كزوج محب تواق إلى ابتداء حياتهما الزوجية التي ابتدأت منذ نصف نهار فقط فقد كان يتصرف وكأنها تسبب له الملل . أنه يسبب لها الاضطراب والشعور بالتعاسة والتوتر ، وهذا محض جنون! وعضت بشدة على شفتها وهي تكبح آهة كادت تفلت منها ، ولكن كان عليها أن تتمالك نفسها أمام لويجي الذي كان يوقف السيارة أمام فيلا كارلو . و أمكنها بشكل ما أن تتصرف بشكل طبيعي حتى أنها ابتسمت للسائق الذي استدار ليفتح لها الباب كان المنزل نائياً عن العمران ولكنه رائع الجمال ، كان بقعة مناسبة تماماً لقضاء شهر العسل . ولكن شهر عسلها ليس كما كانت تتوقعه أن يكون . لقد راودتها هذه التأملات بينما كان كارلو يضع يده تحت مرفقها دافعاً إياها إلى الأمام تاركاً لويجي يتصرف بالأمتعة . ودفعها شعور غبي إلى أن ترفع عينيها إليه متكلفة الابتسام وهي تقول : " إنني حتماً سأحب هذا المكان فهو رائع كما أن الهواء رقيق دافئ . كم هذا جميل . " فالتقت عيناه بعينيها بنظرة فارغة مختصرة وهو يقول : " هذا صحيح ربما هذا أفضل أوقات السنة . إذ أن الحر يشتد في أواسط الصيف وتزدحم المدن . و المعتادون على الجو الإنكليزي مثلك ..... " وخبطت فينيتيا قدمها في الأرض قائلة بحدة : " هل علينا أن نمضي الوقت بالحديث السخيف عن الجو؟ " إنها لم تفهم سبب كل هذا ولماذا ينأى عنها بهذا الشكل المقيت ، وكل ما تعرفه أن تصرفه هذا يؤلمها بشكل لا يحتمل وتابعت تقول : " ألا تظن أنه ما زال مبكراً بالنسبة إلى حياتنا الزوجية أن يقتصر حديثنا على مثل هذه الملاحظات التافهة ؟ "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:29 am | |
| فأجاب : " لقد ظننت خطأ أن هذا قد يهمك . " وانفرجت ملامحه بشيء من المرح وذلك للحظة واحدة ما جعلت فينيتيا تنظر إليه بريبة بينما كانت يده تشتد على ذراعها وهو يدفعها إلى الأمام بعد أن وصل إليها لويجي وهو يحمل حقائبهما وهكذا لم يكن الوقت مناسباً للانخراط في شجار ، ليس لأنها كانت تريد أن تتشاجر معه ، فقد كانت بعيدة عن هذا ، ولكنها كانت تريده أن يخبرها كم يحبها . لا بد أن المرأة القصيرة البدينة الجسم التي جاءت لاستقبالهما هي روزا لقد كان وجهها يشرق بالابتسام وكانت خصلات من شعرها الأبيض قد أفلتت من الشريط الذي شدت به شعرها . وحياها كارلو بابتسامة تنضح عطفاً ودفئاً وهو يجري التعارف بينهما . ذلك التعارف الذي جدد عزم فينيتيا على أن تتعلم لغة زوجها . ولكن تأملاتها تلك ما لبثت أن تبددت عندما قال لها كارلو بلطف : " لقد أخبرت روزا أن تأخذك إلى غرفتك ثم تحضر إليك الشاي ... على الطريقة الإنكليزية فأنا متأكد من انكِ تريدين فرصة ترتاحين فيها من عناء السفر وسأراك فيما بعد . أما العشاء فموعده في التاسعة والنصف . " واستدارت بسرعة رافعة أنظارها إليه غير خجلة من التوسل الصامت في عينيها ولكن سرعتها لم تكن كافية لأنه كان قد سبق وتركها موسعاً خطاه عائداً نحو الباب واضعاً يديه في جيبي بنطاله الأنيق التفصيل وقد بدا في غاية الارتياح . لقد نسي تماماً حتى أنها موجودة . أرادت أن تصرخ به . أن تذكره بأنها عروس تزوجت هذا الصباح فقط ، و أن تتوسل إليه بأن لا يتركها ولكن كرامتها لم تسمح لها بذلك . وتبعت روزا ونعلا حذائها يحدثان صوتاً منخفضاً موحشاً على البلاط الأخضر .
ومع أن الفيلا كانت عبارة عن طابق واحد ، إلا أنها كانت فسيحة رحبة تحوي ممرات عديدة وأروقة مختلفة . وعندما وقفت روزا لتفتح أحد تلك الأبواب ، أدركت فينيتيا أنها لن تعثر أبداً على طريق العودة إلى القاعة الكبرى مرة أخرى و انتابها الانفعال حتى نسيت أن تبتسم لتلك المرأة التي تركتها وعادت أدراجها . تنهدت فينيتيا أن عليها أن تتمالك أعصابها حقاً وإلا فأن روزا ستظن أنها امرأة فظة شرسة . وعاد إليها ذلك الشعور بعدم حقيقة ما يجري حولها والذي لم يكن له علاقة بهذه الفيلا الواسعة ، و إنما بذلك الجدار الذي قام بينها وبين كارلو . أنه الجدار ستحاول هدمه بشرط ألا يكون من جملة تخيلاتها وكانت هذه الأفكار تراودها وهي تجيل أنظارها في الغرفة الفاخرة مطيلة التحديق في السرير الواسع . وخلعت حذاءها لتغوص بقدميها في السجاد السميك وهي تعترف لنفسها بأنها منذ التقت به للمرة الثانية قد عادت إلى شخصيتها الحساسة القديمة التي كانت لها وهي في الثامنة عشر من عمرها . ومهما كان الأمر فان عليها أن تتحلى بشيء من الصبر . استيقظت فينيتيا ببطء وهي تعود إلى وعيها شيئاً فشيئاً . كانت ترقد واضعة يدها تحت خدها ورغم أن عينيها كانتا ما زالتا مغمضتين ، فقد أدركت أن الغرفة مظلمة ومدت يدها إلى المصباح القائم بجانب السرير ثم أضاءته . ووقعت عيناها حالاً على الثوب الذي كانت أخرجته لترتديه على العشاء هذا المساء والذي كانت علقته على ضلفة باب الخزانة المفتوحة . وأنزلت ساقيها من السرير ثم تناولت ( الروب ) وأدركت الآن فقط ما الذي أيقظها من النوم ، فقد انقطع فجأة صوت ( دوش ) الماء المتدفق في الحمام المجاور المتصل بغرفتها هذه ليسود بعدها صمت ثقيل . لقد عاد كارلو . لا بد أنه كان غائباً عدة ساعات . وارتدت الروب الحريري الأزرق ، ثم ربطت حزامه حول خصرها النحيف بيدين ابتدأتا ترتجفان كما أخذت أنفاسها تتسارع . توجهت نحو الباب المؤدي إلى الحمام وهي تهدئ من مشاعرها . وقفت على العتبة لتجده يحلق ذقنه أمام المرآة . ولم يلتفت ولكنها علمت أنه رآها في المرآة إذ أن عينيه اختلجتا لحظة قبل أن يقول : " ها قد استيقظتِ أخيراً لقد كنتِ متعبة ومتوترة وإنني مسرور أن أمكنك الاسترخاء . " أذن ، فان اهتمامه كان منحصراً في راحتها وقلقها ذاك لم يكن سوى نتيجة لتصوراتها وغمرت البهجة قلبها وهي تسير نحوه دون أن تسمع وقع قدميها الحافيتين على الأرض المبلطة وقالت بهيام : " أين كنت ؟ لقد اشتقت إليك . " أجابها : " إنني لست مثلك يا زوجتي فهذه الزيارة ليست إجازة كاملة بالنسبة ألي . " واستدار نحوها وقد ارتسمت على فمه ابتسامة ملتوية وهو يقول : " إن عندي كروم العنب وقد أمضيت طيلة العصر مجتمعاً مع المدير في شأنها . " يالها من طريقة غريبة يمضي بها شهر العسل وقد قال أنها لن تكون إجازة كاملة بالنسبة إليه . لهذا ربما كانت هذه الساعات التي أمضاها في العمل مغتنماً فيها فرصة خلودها إلى الراحة ، ربما هي كل ما عليه القيام به لكي يتفرغ بعد ذلك لها وحدها وابتسمت له وقد تألق في عينيها كل الحب الذي تكنه له .
ضغط زراً في جدار مغطى بمرآة سرعان ما انزاحت جانباً كاشفة عن باب يقود إلى غرفة رجالية التنظيم والأثاث وكانت ألوانها التي تتراوح بين مختلف طبقات البني والأصفر مضادة لألوان غرفتها الأزرق والأصفر الباهت . غرفتها! كانت الغرفتان متصلتين بهذا الحمام الفاخر . إنها لن تدعه يرى كم آلمها هذا ولكنها عادت تفكر في محاولة للتخفيف عن نفسها بأن كثيراً من الأزواج يفضلون غرفاً منفصلة بشرط أن يكونوا قادرين على توفير غرفتين للنوم . قالت وقد اشرق وجهها وبان المكر في عينيها : " هل تحب غرفتك؟ ألا تحب أن ترى غرفتي؟ " أخذ يحدق متأملاً ، ولكنه اكتفى بالقول : " ليس في غرفتك ما لا أعرفه ، فأنا قد اعتدت زيارة هذه الفيلا على الدوام فأنا أعرف كل ركن فيها . والآن أسرعي وارتدي ثيابك لقد تأخرنا و روزا بذلت جهداً بالغاً في إعداد العشاء . " انسحبت فينيتيا إلى غرفتها متجهمة الوجه وقد اغرورقت عيناها بالدموع ومضت مرة أخرى تختلق الأعذار ، معتبرة أن لا شيء هناك سوى تخيلاتها الخصبة . انهما قد تأخرا فعلاً فقد رقدت مدة أطول مما يجب وطبعاً لا بد أن روزا قد أعدت عشاء فاخراً احتفالاً بهما . وأخذت تذكر نفسها بكل هذا بينما كانت ترتدي ثيابها وجاء الثوب الأسود يبرز أناقتها بكل دقة وكان الحزام الذي ينزل من وسط صدرها ليلتف على خصرها النحيل مرصعاً بالأحجار الكريمة ، ومن ثم أخذت تضع الزينة المناسبة على وجهها لتطمئن ، بعد ذلك إلى أن عيني كارلو الخلابتين لن تبقيا بعيدتين عنها هذه الليلة . وحدثها الشوق الذي انبثق من عينيه حين رآها عن كل ما أرادت أن تعرفه وذلك قبل أن تخمد أرادته القوية وهو يرافقها إلى غرفة الطعام . منحته ابتسامة مشرقة وهي تتأمل وسامته عبر مائدة العشاء المستديرة المتألقة بالأزهار والشموع . ولم تستطع فينيتيا أن تتكلم لفيض سعادتها ولم تجد سوى أن تشغل نفسها بالتهام طعام روزا الشهي . ولكن رائحة البطارخ الشهية والأرضي الشوكي ، ومختلف الأطعمة اللذيذة كل ذلك ضاع فيها هباء وهي تحاول أن تركز أفكارها على ما كان كارلو يحدثها به عن تاريخ الجزيرة . ولكن لم يدخل في عقلها أي من هذا الكلام وهي تتمنى أن تنتهي هذه الوجبة التي بدت دون نهاية . وأخيراً بعد أن أحضر لويجي القهوة وانسحب هو و روزا من الغرفة ، كانت لا تستطيع الحراك فقد كان ارتياحها بالغاً . نهض كارلو وهو ينظر إليها بعينين ناعستين يقدم إليها كوباً قائلاً : " يجب أن تجربي شيئاً من هذا العصير وأخبريني إذا كان يعجبك . " وابتسمت له ابتسامة حلوه واهنة وهي تتناول منه الكوب قائلة : " هل تريد ذوقي من الناحية التجارية؟ " هز كتفيه دون اكتراث وهو يقول : " كما تشائين . " واستقرت نظراته على الابتسامة الخفيفة التي قوست شفتيها وأخذت رشفة من العصير ثم رفعت الكوب إلى شفتيه . وتألق في لهب الشموع خاتمها الذهبي الذي سبق ووضعه في إصبعها هذا الصباح . ثم أخذ رشفة من الكوب التي وضعتها على شفتيه وهو يقول : " لنأمل أن يكون المستقبل مخبئاً لنا البهجة أكثر من الألم . " . فقالت و هي تراه يضع الكوب جانباً : " لا جدال في هذا . "
ونظرت إليه بعينين ساحرتين ثم قالت بصوت يتدفق بالمشاعر : " لا تتحدث عن الألم أن كل ما أريد أن أفعل هو إدخال السعادة إلى نفسك يا حبيبي . " وابتسم فجأة وحنى رأسه ينظر في وجهها وقد التمعت في عينيه مشاعر بلغ عنفها أن شعرت بها تكاد تحرقها ، وسلبتها كل قواها ليبلغ بها الوهن إلى حد أن كل ما أمكنها القيام به هو التلفظ باسمه . " كارلو .... " ونطقت باسمه هامسة . فأخذ هو يتمتم بفيض من المشاعر : " يا للجمال الرائع كل هذا لي .... لي أنا؟ " أنه الحمى التي تسري في دمها انه حبها رفيق دربها ، الآن وإلى الأبد ، لقد أدركت هذا منذ ست سنوات كما تأكدت من ذلك الآن وتصاعد الدم إلى وجنتيه وقد اشتبكت عيناه بعينيها لحظة وارتسمت في عينيه السوداوين نظرة حب في المقابل تملكها شعور محموم سيطر عليها استجابة لنظرته تلك ورأى هو ما حدث وعرفت هي ذلك لأن وجهه تغير ..... جمد وكأنه لسبب ما كان في انتظار هذه اللحظة ثم إذا بفمه يلتوي باحتقار وهو يقول ببرود قاتل : " أظن هذا يكفي . " واستدار باشمئزاز ... ونظرت هي إلى ملامحه الرومانية المترفعة وفمه الذي ارتسم التفكير عليه وذقنه الناتئة بكبرياء ثم امتلأت عيناها ارتباكاً وحيرة ... لا يمكن أن يكون هذا قد حدث فعلاً ... ولكنه حدث . وارتجفت بشدة لتسأله بصوت مذعور : " لماذا؟ وبدا تقريباً ، وكأنه نسي وجودها أو أنه أخرجها من ذهنه تماماً. لأن جسده تصلب فجأة لدى سماعه صوتها الذي ينضح ألماً وكرباً واستقامت كتفاه ثم استدار إليها ولكن ببطء شديد .. ولم تستطع أن تفهم شيئاً من ملامحه لأنه لم تكن هناك أية ملامح .. كان هنالك قناع جامد لا إحساس فيه . اشتبكت عيناه بعينيها لحظة قصيرة وملأها الفراغ الذي رأته فيهما رعباً جعلها تشعر وكأن عالمها قد تفجر كلياً وهي تسمعه يقول ببرود : " الانتقام ، يا زوجتي ، الانتقام . " ولمع شيء في عينيه السوداوين الغامضتين وهو يتابع قائلاً : " الانتقام لكونك أهنت كرامتي وذلك بسهولة وعلي الدوام ."
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:29 am | |
| شعرت فينيتيا بقسوة كارلو هذه كطعنة نجلاء في الصميم أحدثت فيها ألماً مريعاً سلب الدم من وجهها . ملايين لأسئلة كانت تدور في رأسها ولكن الصدمة كانت أكبر من أن تنطق بتلك الأسئلة . وتحركت شفتاها دون صوت بينما كانت عينا كارلو الغائمتان تنتقلان ببطء من وجهها الشاحب إلى أخمص قدميها قبل أن يقول بلهجة لاذعة : " صدقيني أن منظرك هكذا لن يغويني أبداً لقد انتهيت منك . " جعلها هذا الإذلال تشعر باعتلال ، وتمنت لو تجمد في مكانها هذا حيث تقف . كما أن ذهنها كان من التشوش بحيث لم يمكنها أن تفعل أي شيء ورفعت عينيها المذعورتين لتراه وقد ألقى بنفسه على كرسي كبير . قالت بلهجة متوترة : " ولماذا؟ لماذا هذا الانتقام؟ " . رفع كتفيه العريضتين يهزهما بما يغني عن الكلام وهو يسند رأسه إلى مسند المقعد وكل خطوط وجهه تنضح بالنفور و البرود . وما أن شعرت حواسها المدمرة في الكفاح لكي تستوعب ما يعنيه بموقفه المتعالي هذا ، حتى ابتدأ الغضب يفور في عروقها .. وتنفست عميقاً . أرادت أن تمزق ذلك القناع الكريه بأظفارها وتلقي به بعيداً لكي ترى الرجل الذي أحبت ولكنها سيطرت على مشاعرها ثم قالت : " ماذا جرى للسانك؟ " تجاهل سخريتها ومضى ينظر إليها وهو يعبث بشفته السفلى بأطراف أنامله وأخيراً قال بلهجة مهينة : " ربما لا تكون كلمة الانتقام هذه تعبيراً مناسباً تماماً وان تكن تدخل بنفس الغرض ، لقد كان الاهتمام بنصيبي من أموال شركة روس الإنكليزية جزءاً من تصميمي على الزواج بكِ ولولا هذا لكنت أذعنت لإصرار كيرو على أن تبيعي نصيبك من الشركة وتخرجي منها لتلتحقي به فيما بعد . وقد سبق وتحدثتما عن بيع منزل العائلة ولعلمي بمغامراتكما المستمرة معاً أدركت أنه ليس في حاجة إلى كثير من الضغط عليكِ لكي توافقي على ترك الشركة لتذهبي معه . وقد سبق وعرف هو أن أيامه التي كان يستغل فيها منصبه قد انتهت وولت . ولم أشأ أن أسمح لهذا بأن يحدث . أليس كذلك؟ " وأغمض عينيه وكأنما أدركه الضجر ، ثم عاد يقول : " لا أظن أن ثمة شيئاً اكثر من هذا ليقال في هذا الموضوع . " واستنفد تركه والخروج من الغرفة كل شجاعتها . إذ أنه لم يعد في استطاعتها أن تستمع إلى كلمة أخرى . ذلك أن كل كلمة قالها وكل نظرة ألقاها عليها وكل حركة كل ذلك كان يمزق قلبها تمزيقاً حتى خشيت من الانهيار كلياً . هذا ما لم تكن تريده .. لم تكن تريد أن يحدث أمامه ، ثم أمكنها بصعوبة أن تجد طريقها إلى غرفتها شاكرة أنها لم تصادف في طريقها أياً من روزا أو لويجي، فيكون في هذا منتهى الذل والعار . كان كل ما تريده هو أن تنام . أن تغيب في طيات النسيان أن تتخلص من الألم لما حدث . ولكن ما أن مسحت زينة وجهها حتى علمت أن الأمر ليس بهذه السهولة لقد كان من المفروض أن يكون هذا اليوم أروع أيام حياتها . لقد تكلم عن الانتقام يا لهذه الكلمة الصغيرة كم تثير اشمئزازها وشعرت دون رغبة منها أنها مهما كان الأمر يجب أن تسمع منه بالضبط لماذا يظن أن له الحق في ذلك . إن عليها أن تعرف الحقيقة قبل أن تتركه مطالبة بفسخ هذا الزواج . واندفعت قبل أن تخونها شجاعتها فشدت حزام الروب ثم تخطت الحمام إلى غرفته ولم يكن هو هناك ولكن هل توقعته حقاً أن يكون؟ ولكنها تستطيع الانتظار . في استطاعتها الانتظار طوال الليل ... بقية حياتها إذا اقتضى الأمر ، لأنها لن تعرف السلام ولا الراحة إذا هي لم تعرف مبرراته , ولم تشهد لمحة من أعماق نفسه المظلمة . وعندما تتأكد من ذلك فهي لن تضيع عليه أياً من مشاعرها مرة أخرى وستقتلعه من قلبها ومن حياتها فقد قتل حبها وقضى على كل آمالها بقسوته التي ما زالت تقطع أنفاسها وعليه أن يشرح الأسباب .
كان الفجر قد ابتدأ يمد خيوطه عندما دخل ، في النهاية الغرفة وكانت أجفان فينيتيا قد تقرحتا من السهر ، وتوترت أعصابها إلى درجة كادت معها تصرخ فيه قائلة أين تراك كنت حتى الآن ولكنها ابتلعت كلماتها هذه التي كانت تظهرها لو نطقت بها بمظهر الزوجة المتشككة . وبدا العنف في عينيه اللتين توجهتا إليها من خلال ملامحه المنهكة وهي مستندة إلى كومة الوسائد على سريره . وقال بلهجة تهكمية : " آسف لضياع ليلتك هذه سدى أظنني كنت واضحاً حين قلت إنني لا أريدك في غرفتي أبداً . " ردت وهي تتصنع التثاؤب : " هذا صحيح . " إن في إمكانها أن تتحدث بمثل لهجته وهو يبدو وكأنه أمضى ليلته في مكان بائس فقد اختفت ربطة عنقه السوداء وقميصه مفتوح عند العنق وقد امتقع وجهه لشيء غير الإنهاك ولسبب غير مفهوم جعلها مظهر الإرهاق والتعب من الحياة كلها الذي ظهر في عينيه تشعر بجذل عميق لم تستطع تفسيره . وأجابته : " إنني قادرة تماماً على التغلب على الخسارة و البدء من جديد . " لقد سبق وأذلها تماماً ولكنها لا تريده أن يدرك أنه استطاع ذلك . وهكذا أخذت تمعن النظر في ذلك الوجه العنيف المرهق ثم ابتسمت وهي تقول دون اهتمام : " أنك ربحت شيئاً وخسرت أشياء . فأنت لست الحصاة الوحيدة على شاطئي يا عزيزي كارلو ولكن قبل أن أحزم أمتعتي أحب أن أعرف بالضبط ما الذي جعلك تعتقد أن لك الحق في أن تنتقم . أنك مدين لي بهذا التفسير بعد أن جعلتني احتمل عناء القيام بمسرحية الزفاف الهزلية هذه . " واستمراراً في قيامها بهذا الدور الطائش ، ابتسمت ساخرة وهي تهز كتفيها بعدم اكتراث وفجأة عادت إلى الواقع الصارخ وهي ترى النظرة الفظيعة في تلك العينين السوداوين . وقال بمرارة لم يحاول إخفاءها : " أنتِ لم تتغيري أليس كذلك؟ فالمرأة القذرة مرة هي قذرة على الدوام . " وتجمدت فينيتيا من شدة الانفعال فقد انتهى تمثيلها القصير المدى ذاك ... ورفعت يدها تصفع بها وجهه وشعرت بألم الصفعة في راحتها بعد أن اصطدم جلدها الرقيق بلحيته النابتة وسمعته يشتمها وقد امتدت يده تقبض على معصمها في رد وحشي على فعلتها ثم تركها بسرعة وكأن لمسه لها قد أثار اشمئزازه . ارتجفت فينيتيا من الانفعال وهي واقعة على الأرض وقد انتشرت حولها أذيال الروب الأزرق الذي ترتديه . وسمعته يقول بصوت كالجليد : " لم يكن زفافنا مسرحية هزلية وأنتِ تعرفين هذا . انكِ زوجتي الشرعية وستبقين كذلك فإياك أن تتحدثي عن حزم أمتعتك إلا بعد أن أعطيك أمراً بأن تقومي بذلك . ولا تفكري بأن تستعيدي حريتك بالطلاق إلا إذا شئت أن تشاهدي العمل الذي سبق وأنشأه أبوك وأبوه من قبل ليكون على ما هو عليه الآن ، أن تشاهدي ذلك يباع في المزاد حطاماً وما يتبع ذلك من ضياع الكثير من الوظائف وأرجو أن يكون كلامي هذا واضحاً . " وكان يجول في أنحاء الغرفة . تجمعت الدموع في عينيها بشكل مؤلم ولكنها أبداً لن تبكي أمامه . وقال : " لقد انتهينا الآن من هذا الموضوع وسأوجه إليك سؤالاً وجوابك الصادق عليه ، تعلمين منه السبب في رغبتي بمعاقبتك . " لم تكن تريد أن تجيب بأي شيء بعد إذ لم يعد أسبابه تهمها بشيء وهل ثمة ما يهمها الآن ؟ . قالت : " حسناً ما الذي تريد أن تعرفه؟ " إنها ستقف على قدميها لتنسحب بكل رزانة إلى غرفتها بعد أن تشعر ساقاها بالقوة ويذهب عنهما هذا الارتخاء . قال : " عندما كنتِ في الثامنة عشر من عمرك ، هل توسلت ألي أن أتقرب منك قائلة انك تحبينني؟ . " كان هذا آخر سؤال توقعت أن تسمعه منه وتجمد كل شيء حتى لم تعد تسمع صوت تنفسها وأثناء الانتظار الصامت أحست بمراقبته لها وعلمت أنه إذا كان له هدف من وراء هذا السؤال فهو ليس بالهدف السار . أجابت ببلادة ودون أي اهتمام : " أنك تعلم أنني فعلت . " ثم وقفت على قدميها وهي ما زالت تترنح . إن فهمها له لم يزدد عن قبل . و لكن كان ثمة حدود لاحتمالها وهي في حاجة إلى أن تختلي بنفسها عليها أن تفكر . ولكنه تقدم ليقف أمامها معترضاً طريقها . وارتجفت كان قريباً جداً منها ولكنه أيضاً بعيد جداً ... جداً . قال بصوت تقطر منه المرارة : " حتى في ذلك الحين كان لكِ سلوك الهرة القذر فالرجل المحترم المكتمل الرجولة كان بالنسبة إليك مثله مثل أي رجل آخر ... " وهز كتفيه بخفة وهو يتابع : " إنني لن أنس قط ذلك المشهد وان كنت سامحتك فقد كنتِ في الثامنة عشر وجعلت لك عذراً وهو انك ربما لم تكوني تعرفين ما تفعلين .. " ردت بحدة وقد اختنق صوتها تقززاً وألماً : " انك تهينني . " فأجاب : " عجباً هل فعلت ذلك؟ " وأرادت أن تخرج مارة به ولكنه جمدها في مكانها بنظرة منه وهو يكرر هامساً : " عجباً يا زوجتي إذا أنا لمستك فانك سرعان ما تتجاوبين حتى مع الرجل الذي أذلك واحتقرك . " وشهقت و هي تبتعد عنه بعنف ليأتيها صوته مدمراً أعصابها بقوله : " إن أي رجل يمكنه أن يفعل ذلك معك أيتها الفاسقة الصغيرة وأنا على كل حال ليس في نيتي أن أكون مطية لأية امرأة مهما كانت مرغوبة . " وباشمئزاز بالغ دفعت بيده جانباً وكتمت شهقة في صدرها وهي تسمعه يتابع بخشونة : " ولم تكن لدي فكرة عن سلوكك عندما كانت ذكرى جمالك وعواطفك تعذبني طيلة السنوات الماضية فقد كنت صدقتك حين تحدثت عن الحب وكذلك ظننت نفسي أنني أحبك! انكِ أغويتني بما عرضته علي ... كم كان مقدار إغوائك لي .. " ونضح صوته مرارة وعنفاً ورمقته هي بنظرة من عينين فارغتين بان فيهما عدم الفهم وهي تحاول الرجوع إلى الماضي . ولكنها أخفقت في ذلك لأن الحاضر كان يدمرها ويمزقها تمزيقاً . وبدت عيناه غير متسامحتين وهو يتابع قائلاً : " ولكنني قمت بعمل مشرف . فقد تكلمت مع أبيك وأخبرته برغبتي في الزواج منك وقد كان مسروراً لهذا كما ظهر لي لأنه لم يكن يعرف كيف كان سلوكك وقد وافق معي على أن تدوم خطبتنا سنة على الأقل كفترة اختبار . ذلك أنني كنت ناضجاً بما فيه الكفاية لكي أثق بمشاعري ولكنني شعرت بأنك في سن الثامنة عشر ذاك أصغر من أن تتحققي من مشاعرك ."
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:30 am | |
| وتابع ساخراً من نفسه كسيف قاطع : " كم كنت أحمق فقد أسرعت إليك لأجدك تستمتعين مع كيرو . " وكان صوته الآن قد ازداد برودة وانخفاضاً وهو يستطرد : " على كل حال كما سبق و أوضحت لك بعد أن شفيت من تلك الصدمة لكبريائي سامحتك ولكن عندما عدت لحضور جنازة أبيك الذي كنت أحترمه رأيتكما ما زلتما معاً . هل كان بينكما ميثاق غير مكتوب بأن تستمرا معاً بغير قيود؟ حتى أنكما تابعتما تلك العلاقة القذرة حتى بعد زواجه؟ هذا لا يهم ... المهم هو المستقبل فقط فالفاسقة ستصبح طاهرة الآن . وإياك أن تفكري في اتخاذ حبيب لأنني سأقتله دون ندم كما أسحق حشرة بقدمي هذه وهذا يا زوجتي هو عقابك الذي تستحقينه لتفكيرك في محاولة استغفالي وهذا هو انتقامي يا عزيزتي . " نظرت فينيتيا في عينيه بعجز وقالت بصوت أبح : " لم يكن الأمر كما ظننت .. " ولكنه قاطعها ثائراً بشكل بذيء وهو يقول بصوت خشن : " أعفيني من أكاذيبك القذرة ربما أصدق أنك تغيرت لو لم أفاجئكما في تلك الغرفة و أنتِ معه لأسمعه يحاول أن يقنعك بالا تتزوجيني . ولو لم أرجع مبكراً عما كنتِ تتوقعين لما علمت بخطتكما القذرة تلك . هل تراك دعوته إلى منزلك لكي تطمئنيه إلى أن علاقتكما ستبقى على ما هي عليه رغم زواجك بي؟ أن تشرحي له أن زواجك بي ما هو إلا لتوفير الاستقرار المادي الذي تحتاجينه؟ كنت إذن سأتزوجك مطمئناً إلى مستقبلي معك ولكن عندما رأيتكما معاً كل شيء تغير طبعاً كان ينبغي أن يتم الزواج بالطبع فقد تم إعلان ذلك وابتدأت التدابير في شأنه ولكن الأهم من ذلك أنه يناسب خططي العملية وهي رغبتي في إعادة دمج الشركتين معاً وليس أقل من ذلك إيجاد فرصة لمعاقبتك وجعلك تدفعين ثمن عبثك وألاعيبك ذلك أنه ليس ثمة شخص يمكن أن يحاول استغلالي وإسقاطي في الشرك ثم ينجح في ذلك . " وتراجع إلى الخلف وهو يشتم مرة أخرى وهو يتابع : " أخرجي من هنا فهذا يكفيني عودي إلى غرفتك و ابدئي في إعداد نفسك لتحمل العيش مهجورة بقية حياتك الملوثة . | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:30 am | |
| لم تعرف فينيتيا كم مضى عليها من الوقت وهي تمشي وأين أصبحت الآن أو ما إذا كان في إمكانها أن تجد طريق العودة إلى الفيلا مرة أخرى ولكنه لم تهتم بذلك . كانت تسير وقد أجهدها التعب والشمس تصب أشعتها من سماء زرقاء خالية من الغيوم . وكانت النسور تحوم والأغنام ترعى الأعشاب ولكنها كانت غافلة عن هذا كله . إنها لا تستطيع ولا تريد أن تستمر على هذه الحال . خلال اليومين اللذين أمضتهما في سردينيا ، رأت كارلو مرة واحدة فقط ... عد عن تلك الليلة الأولى المفجعة وكان ذلك أثناء عشاء أمس وكانت هي المرة الوحيدة التي قام بها للحفاظ على المظاهر وذلك بالتحدث معها بتهذيب بالغ جعلها تريد أن تصرخ ، يتحدث عما قام به في ذلك النهار و أين كان قائلاً لها بلطف أنها ليست في حاجة إلى اعتبار نفسها سجينة و أن لويجي يصطحبها إلى أي مكان تريد ، فهو يفهم قليلاً من الإنكليزية ولكنه ذكي بما فيه الكفاية ليفهم رغبتها في الذهاب إلى أي مكان خاص . ولكنها لم تستمع ولم تدل بأي جواب ولم تأكل سوى القليل غير عابئة بما قد يظن لويجي و رزوا بهذه العروس الغاضبة وبذلك العريس الذي يغيب طيلة النهار دون أن يهتم لشيء إذ ما هي الفائدة؟ إن كارلو لا يمكن أن يستمع لشيء يتعلق بالدفاع عن نفسها ذلك أن فكرته عنها كانت من الرسوخ بحيث لا يمكن أن تتزحزح . لقد أصبحت تكرهه وهي ستكافح لأجل بقائها وتنسى أنها أحبته مرة أكثر من نفسها ، إنها لن تقع في الشرك هنا فتكون زوجة مهجورة في بلد غريب إن عليها أن تفعل شيئاً إزاء وضعها هذا ولكن بحذر فهي لا تريد أن تعرض كل تلك الوظائف في شركتها إلى الخطر . ليلة أمس بعد أن انسحب لويجي و روزا تاركين إياها في مواجهة كارلو عبر مائدة العشاء نهضت على قدميها ملقية بفوطتها بجانب وجبة طعامها الذي لم يمس ثم قالت له بلهجة فارغة من كل شعور : " من المؤسف أن كبرياءك قد أعمتك عن الحقيقة لقد تزوجت من آنسة . " وقطب حاجبيه بعنف جعلها تبتسم بوهن وهي تدير ظهرها إليه خارجة من الغرفة لتقول له من فوق كتفيها : " وأنت الآن لن تكتشف أبداً ما إذا كنت أنا أقول الحقيقة فاستمتع بانتقامك هذا الذي أرجو أن يدفئك في الليالي . " . إنها المرة الأخيرة التي ستكلمه وهذا عهد منها . وتنهدت وهي تدعك جبينها الحار بأطراف أناملها . لقد كرست نفسها هذا النهار لتضع حلاً لمشكلاتها وهاهي قد وجدته ورأت وهي تقف على قمة هضبة حجرية ، الفيلا أمامها على بعد نصف ميل أو حوالي ذلك ما جعلها تتفاءل . لقد عادت أدراجها في نفس اللحظة التي تكاملت خطتها عن كيفية رحيلها من هنا . وقابلتها روزا وهي تسرع داخلة من الباب الرئيسي ، كان الوقت منتصف النهار تقريباً وتبعاً للطريقة التي مر بها نهار أمس فان كارلو لن يظهر إلا قبيل العشاء فهو يمضي النهار مع مستخدميه في الكروم وأصدقائه ، ليبقى بعيداً عنها قدر استطاعته . سألتها روزا مستطلعة : " الغداء؟ " ولكن فينيتيا هزت رأسها طالبة بالإشارة التحدث هاتفياً . و أومأت روزا وقد فهمت ما تريد ، ثم سارت أمامها إلى مكتب ضخم حيث أخذت تفتش في دليل الهاتف إلى أن عثرت على الرقم الذي تريد . قبل زفافها بأسابيع أخذت تقرأ كل ما وجدته من كتيبات الرحلات المتعلقة بسردينيا وعلمت أن هنالك رحلات متعددة داخلية بين الغيرو وكالياري ولهذا لم يكن ثمة داع للقلق ، ولكنها كانت تريد اتصالاً من لندن وأمكنها الحصول عليه ولكن الغريب أنها لم تشعر بكثير من الارتياح لذلك . هناك وقت كافٍ فأن الرحلة إلى لندن لن تقلع باكراً ولكنها لم تشأ أن تتأخر . إنها لا تستطيع الانتظار ، وشكرت حظها على بعد نظرها الذي جعلها تحضر معها شيكات سياحية . واستبدلت ملابسها بسرعة لترتدي بنطالاً خفيفاً أبيض وقميصاً حريرياً أسود ، ووضعت أغراضها الخاصة في حقيبة الكتف الجلدية واضعة على ذارعها جاكتة ملونة دون أن تهتم بأن تأخذ معها أياً من ثيابها التي أحضرتها معها لشهر العسل الذي لم يتم . وكانت كتابة رسالة إلى كارلو أول ما قامت به راجية أن تكون كافية لكي تمنعه من أن يندفع في تدمير أعمال الأسرة وإثارة الشغب هناك في انكلترا . و قد أعلنت في رسالتها أنها لن تسعى إلى الطلاق وستبقى صورياً زوجته وستستمر في العمل في شركة روس الإنكليزية تحت إدارته هو ، وهي مستعدة لرؤيته في أي وقت يرى هو فيه ضرورة لذلك ثم ألصقت المغلف وتركته على فراشه . وقالت للويجي الذي كان في المر آب هو يغسل سيارة الليموزين : " المطار . " وبدت عليه الحيرة وهو يقول مستفهماً : " سنيورا؟ " وقطبت هي حاجبيها وأخذت تشير إليه بيدها مقلدة هدير الطائرة وهي تعلو وأومأ لويجي برأسه قائلاً : " المطار لقد فهمت . " ولكن الحيرة بقيت على وجهه وهو يسدل كمي قميصه الأبيض ويتناول جاكتته من على مسمار خلف أحد الأبواب . و أمضيا الطريق صامتين وقد سرها أن كلاً منهما لا يفهم لغة الآخر . ولكنه أخذ يتسكع حولها أثناء شرائها تذكرة السفر ، كما يفعل أي حارس يقظ ودفعت ثمن تذكرة السفر إلى كالياري بينما وقف هو يراقبها وهي تخطو نحو الطائرة . وقفت وقد اغرورقت عيناها بالدموع . لا يمكنها أبداً أن ترحل بهذا الشكل وبكل هذه البساطة . إن عليها بأي شكل كان أن تحاول إفهامه أنها لم تكن كما يظنها . وبينما هي تعدل من وضع الجاكتة على ذراعها ، شعرت بيد على ذراعها وسمعت صوتاً يقول شيئاً بالإيطالية فنظرت لترى الاهتمام في عيني المضيفة الجوية . وتمتمت وهي تمسح دموعها التي أخذت تتدفق دون توقف : " إنني آسفة . " وأخذت تكرر بغباء : " إنني آسفة . " . ابتسمت لها الفتاة ذات العينين السوداوين وهي تقول بعطف : " آه ... إنكليزية . انك لست على ما يرام . " وعلمت فينيتيا أن مكانها لا ينبغي أن يكون هنا . فهي ليست جبانة في العادة أن عليها أن تجد كارلو وأن تقنعه وهزت رأسها وهي تتراجع إلى الخلف قائلة بصوت خشن مرتجف : " إنني آسفة . لا يمكنني أن أقوم بهذه الرحلة . لقد أدركت على التو ....... " واستدارت عائدة لتسير بسرعة في ظلال المباني ومن حسن الحظ أن لويجي لم ينتظر رؤية الطائرة تتحرك ولم يكن ثمة أثر للسيارة فقد كان آخر شيء تريده هو أن تعود ، محروسة إلى الفيلا مباشرة . ولم تجد مشكلة في العثور على سيارة إلى الغيرو ومن حسن الحظ أنها كانت أحضرت معها مبلغاً من النقود لكي تشتري تذكارات لأصدقائها عندما تعود إلى الوطن . أنزلها سائق سيارة الأجرة في وسط منتجع عام عامر بالناس ولو كانت ظروفها غير ما هي عليه ، لوجدت تسلية كبرى في الجلوس والتفرج على المباني المختلطة الطراز بين الحديث والقديم ، المدينة القديمة مع حصونها ، الشوارع الضيقة بأبراجها المهيبة . ولكنها كانت بعيدة عن الظروف العادية ، وأخذت تجول في الأنحاء دون هدف معين لتقودها خطاها نحو المرفأ. وعند مقهى على الرصيف جلست إلى منضدة تحت مظلة مخططة ثم طلبت كوب عصير نسيت أن تشربه وشعرت بالهدوء ولكنه كان هدوء القبول بالهزيمة كما أدركت . القبول بالألم الدائم بين أضلعها . كانت ثورتها على ما فعله كارلو قد خمدت الآن . وكل ما بقي منها هو حزن مروع . لقد كان أمامهما حظ كبير ذات يوم . وكلمات كارلو ما زالت في مسامعها وهو يقول انه يعتقد بأنه كان يحبها منذ ست سنوات وكان ينتظرها لقد أراد ذات يوم أن يتزوجها لأنه كان يحبها فعلاً . كان هذا منذ وقت طويل وبعد ذلك بست سنوات عرض عليها الزواج ، حقاً انه أراد أن يسيطر على الشركة ، ولكنه كان أيضاً يريدها إنها متأكدة من أنه سيحبها يوما ما خصوصاً إذا هي استطاعت أن تقنعه بأن ماضيها لم يكن كما يظنه وأن سيمون مرة أخرى هو الذي دمر كل شيء بالنسبة إليها . وتحركت في مقعدها بضيق ، وعيناها الفارغتان لا تريان شيئاً مما حولها من المناظر ، فقد كانتا تائهتين في الماضي تنوحان على ما كان يمكن أن يكون . إنها ترى الآن وبكل وضوح ما عليه سيمون من نفاق وجشع للمال . فعندما كانت في الثامنة عشرة كان لا يكاد يكف عن التحرش بها . ليس لأنه كان يكن لها أي شعور حقيقي و إنما لأنه كان مكلفاً بحراستها فوجد في ذلك فرصة مناسبة ذلك أن الزواج من ابنة رئيسه هو فرصة العمر . وقد أخفى هدفه ذاك أثناء السنوات التي تلت لكي يستعيد ثقتها به عارضاً نفسه لمساعدتها عندما التحق بالشركة وهو يخدعها طيلة الوقت بتصرفاته المصطنعة تجاهها . حتى عندما أوقعته أنجي في فخ الزواج لم يتخل عن هدفه هذا كلياً إذ أن أول ما قام به ، بعد أن طرده كارلو من الشركة هو أن أتى إليها عارضاً عليها الزواج . ولكن لم يعد في إمكانها حتى أن تستجمع ما يكفي من الغضب لكي تصلح من تلك الأمور المنحرفة الملتوية . ذلك أن مشاعرها كانت مضطربة للغاية ولم يبق في نفسها سوى القنوط . هذا إلى أمل ضعيف في أن كارلو قد يقتنع أخيراً بشكل ما بأن يستمع إلى القصة بلسانها هي . كان على الخوان المجاور لها ، شخص يستمع إلى الموسيقى من خلال راديو لتتوقف هذه فجأة محدثة خشخشة مفاجئة تبعها صمت قصير عاد بعده المذيع يدلي بخبر مستعجل .. لابد أنه كان خبراً سيئاً كما أدركت فينيتيا من ردة الفعل الهائجة من الحاضرين حولها . وشهقت فينيتيا وقد نسيت هذه الانفعالات البسيطة حولها عندما ارتفعت أصوات غير مفهومة في هذه الحلبة الغوغائية ... ما الذي يا ترى هز هذه الجموع هكذا؟ ... وتصلبت أعضاؤها من طول الجلوس كما أدركت من نظرات النادل الجانبية المتشككة نحوها ، ولم تكن لديها فكرة عن طول المدة التي أمضتها هنا ، ولكن الشمس كانت في قبة السماء ، وعليها أن تستعجل في العثور على سيارة تقلها إلى المنزل قبل أن يعود كارلو . وبعد أن أخذت رشفة من كوب العصير ، حملت حقيبتها ثم وقفت تحرك أعضاءها المتصلبة . تاركة إكرامية تعويضاً عن تأخرها هذا في شغل الخوان . إن عليها أن تذهب لتجعل كارلو يستمع إليها . آمله أن يتخلى عن مرارته مؤقتاً لكي يستمع إليها . و اعترفت لنفسها وقد غمرتها التعاسة ، وهي تسير نحو حافة الرصيف تستدعي سيارة بأنها ربما أفسدت بأقوالها دفاعها عن نفسها ، وذلك رداً على تلك العاصفة الكلامية التي وجهها إليها مما قوى من فكرته الراسخة تلك عنها . كل ذلك زاد من صعوبة مهمتها ألف مرة . لا أمل في هذا ، فهل من الضرورة أن تحاول؟ ربما من الأفضل لها أن تتبع خطتها الأولى وتكمل طريقها إلى كالياري ، ولكنها الآن قد تأخرت كثيراً عن اللحاق بالرحلة الليلية إلى لندن ، ولكنها إذا هي استعملت شيكاتها السياحية الدولية ففي إمكانها أن تبيت ليلتها في فندق في انتظار أول رحلة تالية إلى الوطن ، ومنعها التردد من أن تتحرك من مكانها في الطريق ، غافلة عن حركة السير المندفعة حولها ، إلى أن جعلها صرير كابح سيارة ، وصفق بابها في وجهها تماماً ، جعلها تتراجع إلى الخلف مصطدمة بإحدى موائد المقهى . حك مسمعها هذا الهتاف حين انقض عليها جسد رجل قوي وتمسكت بها أصابع من فولاذ . وتوقفت أنفاس فينيتيا وهي ترى كارلو هو الذي انقض عليها تاركاً سيارته منحرفة في وسط الطريق ، لا بد أنه قد عاد إلى منزله مبكراً عن نهار أمس ليكتشف ما فعلت فجاء يسحبها عائداً بها . عائداً إلى الفيلا لاستكمال انتقامه . وحاولت أن تضربه لتبعده عنها ، ولكن قبضتيها الصغيرتين كانتا أعجز من أن تحرك جسده الذي لا يتزحزح . وعاد هو يهتف وذراعاه القويتان تجرانها إليه : " فينيتيا آه ... " ونظر إليها غير مصدق وشفتاه تتمتمان بكلمات الإعزاز والملاطفة بلغته ، وقد تدفق صوته بالمشاعر وهو يتابع : " أهذه أنتِ حقاً؟ أرجو ألا أكون حالماً . " وكانت هي ترتجف بين ذراعيه دون أن تفهم شيئاً . لقد كان ممسكاً بها وكأنه لن يدعها تذهب على الإطلاق ، وقد نسي كل شيء عن التأديب والانتقام ، أو هكذا بدا عليه . ثم تركها على الرغم منه ولكن ليتمكن من التمعن في وجهها بعينيه المنهكتين المتقرحتين لأجفان . رفعت أنظارها تحدق فيه وما زالت ترتجف دون أن تصدق ما يحدث وقد صدمت تماماً لمرأى عينيه تتألقان بالدموع . واختنقت بالدموع وهي تسمعه يقول لها : " لقد ظننتك ميتة .. ميتة أو على الأقل في خطر الموت . لقد كنت سأقتل نفسي من الحزن . " واختنقت أنفاسها في صدرها وهي تقول بصوت أجش لا يكاد يسمع : " كارلو ... أنا لا أفهم شيئاً فعلاً . إلى أن أجابها بسرعة وصوته ما زال يرتجف : " لقد أمضيت فترة الصباح في الكروم عاملاً لكي أبعد التفكير عن نفسي . لقد كان العقاب الذي خططت له يؤذيني أنا أكثر بكثير مما يؤذيك ، وفجأة أدركت أن علي أن أضع حداً له . أدركت فجأة أنني كنت من العمى بحيث منعني من أن أرى .. أن أرى أنني أحببتك أكثر مما أحببت أية امرأة أخرى . كنت أنكر نفسي اكثر كثيراً مما كنت أنكرك ، وأنني لا أهتم بماضيك ما دمت ستكونين مخلصة لي وحدي في المستقبل وعدت على الفور إلى الفيلا مصمماً على أن اطلب منك أن تسامحيني ومن ثم نبدأ حياتنا الزوجية . " وتألقت في عينيه نظرة تملك حازمة وابتدأ اللون يعود تدريجياً إلى وجهه الشاحب وقال لها بخشونة : " لا تنظري ألي هكذا . أنني أريد أن تمنحيني شيئاً من الأمل ." وبدت في لهجته من الغطرسة ما جعل ابتسامة خفيفة تلوح على شفتيها الممتلئتين وقال بخشونة بينما شعرت هي برجفة عنيفة تسري في جسده : " ما زال هنالك شيء لقد عدت إلى الفيلا وسألت عنك فأخبرني لويجي أنك ذهبت إلى المطار وأنه أخذك بنفسه إلى هناك ورآك تشترين تذكرة إلى كالياري . وكان يعتقد أنني لا بد كنت على علم بذلك . كنت ما أزال متمالكاً نفسي حتى بعد أن قرأت رسالتك واتصلت بالمطار طالباً تجهيز طائرة روسي الخاصة للطيران ثم اتصلت بطيار الشركة لكي يستعد حالاً . كنت أحسب أنه ما زال أمامي وقت كاف لأمنعك من متابعة السفر إلى لندن حيث أنها لا بد وجهة سفرك كما خمنت عند ذلك علمت أن الطائرة التي من المفروض انك على متنها قد تحطمت وهي تهبط المطار ليقتل من فيها أو تبتر أطراف أفراد طاقم الطائرة والركاب وعند ذلك ... عند ذلك علمت أنني أحببتك اكثر من الحياة نفسها ... وأنني فقدتك دون أن أستطيع أن أخبرك بتلك الحقيقة البسيطة . لقد تمنيت أن أموت عند ذاك . " وهتفت : " آه كارلو . " ورفعت وجهها تتأمله انه يحبها وهذا هو كل ما يهمها ثم ارتجفت بعنف بعد أن فهمت الآن فقط ما تضمنه كلامه لها هذا . عادت تقول : " ولكن ما الذي كنت تفعله هنا؟ هل كنت تبحث | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:31 am | |
| ولم يكن هذا يعني أنها مهتمة بذلك بطبيعة الحال ، فقد كان كل ما يهمها الآن أنه حين ظنها على متن تلك الطائرة ، أدرك مبلغ حبه لها . وقال بصوت أبح : " إنني لم أكن أبحث عنك كنت في طريقي إلى المطار ... كنت كالمعتوه يجب أن أعترف بهذا . كان الأمل الوحيد الذي راودني هو أن أجدك حية مهما كان مقدار إصابتك وعند ذلك سأدور في العالم لكي أعالجك وأتوسل إليك أن تمنحيني الفرصة لكي أجعلك تحبينني تصفحين عني . ثم إذا بأنظاري تقع عليك . تقع عليك واقفة هناك لقد ظننتك شبحاً .. لم استطع أن اصدق انك أنتِ ، أنتِ بلحمك ودمك .... وأنكِ ما زالت حية . عديني أن تمنحيني الفرصة لكي أصلح كل شيء، امنحيني فرصة أجعلك فيها تحبينني كما كنتِ قبلاً . وأظنك أحببتني قليلاً من قبل . فهل ستحاولين ذلك ؟ أرجوك . " كارلو ..... حبيبها ... يخضع بهذا الشكل؟ وتألقت عيناها الكحيلتان بابتسامة وهي تمعن النظر في أعماق عينيه وسرها أن ترى كل تلك الكبرياء المثبطة تعود إليهما عندما قالت ببساطة : " ليس في ذلك أية مشكلة . لقد حاولت أن أتوقف عن حبك ولكنني لم أستطع . " وتوهج وجهها احمراراً إذ منذ اللحظة التي قفز فيها كارلو من السيارة ابتدأ الناس يتجمعون حولهما . والآن كانت مجموعة من المتفرجين يدقون بأقدامهم ويصفقون بأيديهم ويصفرون ويحيون . ثم ابتدأت أبواق السيارات تزعق مشتركة في المنافسة بعد أن أوقف السائقون سياراتهم ليروا ما الأمر ، معرقلين حركة السير التي كانت سيارة كارلو الليموزين قد سبق وأعاقتها منحرفة في ذلك الشارع الضيق ، ولكن لم يكن هنالك أثر من الحرج في نفس كارلو كما لاحظت هي بإعجاب . وابتدأ شعورها هي بالحرج يتراجع عندما أخذ هو ، بكبريائه الإيطالية ، ينحني لتلك الجموع في كل النواحي ، وعلى شفتيه ابتسامة البطل الغازي المنتصر وقد رفع رأسه بغطرسة آخذاً بيدها يدسها تحت ذراعه ، وهو يخترق بها تلك الجموع المهللة التي كانت تتدافع أمامهما إلى الخلف على الجانبين لتسمح لهما بالمرور . وكانت الابتسامة العريضة ما زالت على شفتيه بعد أن استقامت حركة السير ، ليتجها نحو الفيلا . عند ذلك قال بشيء من الجد : " انه القدر كل شيء كان مقدراً منذ رأيتك تدخلين الغرفة منذ ست سنوات خلتك متجهة نحوي بتلك المشية المهتزة ثم تقبلينني مرحبة بي . أظن أنني منذ تلك اللحظة قد غرقت في حبك آه ... " ومنحها ابتسامة مشرقة قبل أن يعيد انتباهه إلى حركة السير وهو يستطرد : " حاولت أن أقاوم مشاعري تلك . وأخذت أحدث نفسي بأن أبقيك بعيدة عني . فقد كنت صغيرة جداً بالنسبة ألي . وأصغر من أن تدركي حقيقة مشاعرك ولا أقول تأثيرك علي ما الذي فعلته بي! ثم ...... " وأظلم وجهه وهو يتابع : " بعد أن اقتنعت عقلياً بأن لا مناص من ذلك وتحدثت مع أبيك وجدتك مع سيمون . وكان شعوري بالذل والمرارة عنيفاً ... كما أدركت الآن . " و أوشكت فينيتيا على البكاء لو أنها فقط لم تمنع أباها من الإتيان على ذكر اسمه في حضورها لعلمت بحديثه ذاك مع أبيها بالنسبة إلى طلبه يدها . وكان في إمكانها أن تصلح الأمور ... وربما كانت كتبت إليه تشرح له كل شيء قبل فوات الأوان قبل أن تتحجر أعماقه! | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: سجينة الذكريات الجمعة أكتوبر 05, 2007 11:33 am | |
| والآن حان الوقت لكي توضع كل الأمور في نصابها وابتدأت قولها : " كارلو ، بالنسبة إلى سيمون ... " فقاطعها بخشونة : " فليذهب سيمون إلى المجهول لقد أصبح شيئاً من الماضي . إنني لم أرجع إلى انكلترا ناوياً الانتقام . أريدك أن تفهمي ذلك . لقد جئت أولاً لحضور جنازة أبيك الذي كنت أحترمه كثيراً . ثم كنت في حاجة إلى أن استطلع الوسائل التي يمكنني معها أن اثبت من وضع شركتكم مالياً . كما أن والدك قد توفي دون أن يكمل عمله مع كيرو . وقد دهشت في الواقع للمرارة التي شعرت بها عندما رأيتكما أنتِ و كيرو معاً . وعند ذلك أدركت كيف أنك أفسدت شعوري نحو سائر النساء . ومن ثم أخذت تنشأ في ذهني فكرة الزواج بك لدمج الشركتين معاً . ولم أدرك الدافع الحقيقي إلى فكرة الزواج بك إلا هذا الصباح بعد أن أدركت حقيقة شعوري . وعندما قطعت رحلتي ، لشوقي إليك وجدت أنك قد حددت موعداً مع كيرو ... وإلا ما الذي جعله يأتي إليك بينما أنتِ مستعدة لاستقباله وفتح الباب له على الفور . " بدا في صوته العنف ، وفكرت فينيتيا ها نحن عدنا مرة أخرى! وتساءلت عما إذا كانت آخر محاولة تجربها ستجعله يستمع إلى الحقيقة . وتابع قائلاً : " عندما دخلت ورأيتك معه وسمعت الأشياء الجنونية التي كان يقولها لك كان أول ما خطر لي هو أن أغسل يدي منك ، كما فعلت سابقاً ولكن هذه الفكرة سرعان ما تلاشت من ذهني لتستقر فجأة فكرة الانتقام من المرأة التي لم اكن قد أدركت بعد أن حبها ما زال يسري في دمي منذ سنوات ... وأنا الآن ارفض الحديث عن الماضي مرة أخرى أو حتى التفكير فيه . أن مستقبلنا هو المهم وحياتنا قد ابتدأت الآن وأنا أريد أن أتأكد تماماً من أنك لن تنظري إلى رجل آخر مرة أخرى . فأنا سأكون حسب ما تريدينني أن أكون تماماً . " وبدا في عينيه نظرة عتاب وهو يتابع قائلاً : " لماذا جعلتني اعتقد بأنك دون أخلاق كلياً . " فاعترفت قائلة : " أظنني كنت حمقاء . " وأغمضت عينيها برهة ثم عادت تقول : " في آخر مرة رأيتك فيها ألقيت علي نظرة وكأنك تعتبرني فتاة عابثة لا تستحق حتى الاحتقار . وعندما رأيتك مرة أخرى أدركت أنه لم يتغير شيء . كنت ما تزال بالنسبة ألي الرجل الوحيد في العالم ، بينما كنت أنت ما تزال تنظر ألي بازدراء . وأظنني قلت تلك الأشياء من باب الدفاع عن النفس . كان ذلك غباء مني أليس كذلك ؟ . " فأجاب : " لقد كنا نحن الاثنان غبيين . لقد جعلنا الحب أحمقين . ولكن حبي لكِ جعلني أقرر في النهاية أن أنسى كل أخطاء ماضيك ، ونبدأ من جديد على أن أتأكد من أنكِ ستبقين لي وحدي في المستقبل . وحتى هذا النهار لم أصدق أنك كنتِ دائماً في دمي طيلة ست سنوات ، حتى عندما رأيتك مع كيرو للمرة الثانية وأقسمت أن أتزوجك لكي أعاقبك ، لم أكن صادقاً مع نفسي تماماً . فالحقيقة هي أنني كنت أريد امتلاكك واحتجازك لنفسي مهما كانت الظروف . ما ظننت في نفسي قط الغباء من قبل ولكن حتى في الليلة التي سألتك فيها أن تتزوجيني وذهبت إلى غرفتك لأضع طلبي الزواج في قالب اكثر رقة ، ولم أجدك في المنزل ، وكدت أجن من القلق لم أدرك مبلغ حبي لك لقد كنت أظن أن شعوري هو مجرد رغبة ، واستوجب الأمر تحطم طائرة لكي أدرك أنني أحبك اكثر من حياتي . " و اهتز جسمه وقد بدت في عينيه نظرة كئيبة قبل أن يقول : " ولكن هنالك شيء يحيرني . لقد عرفت الآن أنني أول رجل في حياتك ولكن ، ماذا كان يحدث بينك وبين ذلك الصعلوك عندما رأيتكما معاً مرتين؟ " وهكذا حدثته بكل شيء دون نقصان وهي تضيف : " منذ ذلك الحين لم أعد ألقي نظرة عليه لمدة سنتين لقد تركت الحياة الاجتماعية وابتدأت في العمل . حاولت أن أغير نفسي . حاولت أن أتوقف عن حبك . أما في المرة الثانية ، فلا بد أنه كان في منتهى اليأس فقد عمله حسب ما يستحق وربما أدرك أنه لن يحصل أبداً على شهادة حسن سلوك وكان زواجه ينهار و ... حسناً أظن أنه فكر في تجربة حظه فحاول أن يجعلني اعتقد أنه كان يحبني على الدوام ولم يغفل عن التلميح بأنك إنما تريد أن تتزوجني لأسباب تتعلق بمصلحة العمل فقط . " وابتسمت له وهي تفكر في أنه أخيراً قد فهم كل شيء وأضافت تقول : " لقد كان عوناً كبيراً لي عندما كنت أتدرب على العمل . وكان سنداً قوياً حين وفاة والدي . وكنت قد ابتدأت انظر إليه كصديق ولكن لا شيء اكثر من ذلك ولم يحدث قط أن فكرت فيه ولو قليلاً . " والتفت إليها يسألها بعينين تتألقان بالحب : " ولماذا لم تشرحي لي كل هذا؟ " فأجابت : " لقد حاولت ذلك ألا تذكر؟ أكثر من ست مرات توقفت بعدها عن المحاولة وتركتك لتكتشف ذلك بنفسك . " فقال بصوت خشن : " يا للفاتنة أن السيطرة عليك لا تحتاج إلى جهد . " فقالت : " ولكنك ستجرب دون شك . " وعاد يؤكد لها حبه إذ همس في أذنها : " حبيبتي ... حبيبتي إلى الأبد . "
تمـــــــ | |
|
| |
| سجينة الذكريات | |
|