| القصص العالمية | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حمادة الشاعري
| موضوع: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:24 pm | |
| هُنُودُ شَارِع « جول فِيري »..
كانوا خمسة أطفال: صبيان وبنات، يلتقون بعد الدراسة، ليلعبوا معاً لعبة "الهنود الحمر"، وليحلموا بمغامرات خارقة. في أحد الأيام، وبمعجزة غير منتظرة، تتحقق أمنياتهم: - "التمساح الشُجاع" تصبح لديه القدرة على التحوّل، بلمح البصر؛ إلى شخص راشد. - "كوكا كولا" يمتلك حافظة نقود تصنع قطعاً نقدية حسب الطلب. - "فأرة السم" تحصل على مرآة تخفيها عن الأنظار. - "الزئبق" يحرك جميع الأشخاص والأشياء التي ينظر إليها بمنظاره المقرِّب. - "الريشة السريعة"، ترافقها وتحميها يمامة بيضاء. فيسود المرح والغبطة في شارع "جول فيري"! لكنهم، وباستخدامهم قدراتهم الخارقة تلك، دون إدراك، ألا يحثُّون الخطا نحو الكارثة؟!!
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:24 pm | |
| الخَيّالَة
رفعت "الريشة السريعة"، أنفها، لتشمَّ ماحولها، كان الهواء يدور واستنشقت شيئاً في الجو أشبه برائحة الخيانة لقد بقيت وحدها في المخيم الذي جرى إخلاؤه منذ العصر، حيث أُرسل الأطفال والشيوخ إلى الجبال؛ بينما كان المحاربون يراقبون من بعيد، أو يصطادون. انحنت، ووضعت أذنها على الأرض التي كانت ترتج تحتها: إنه صوت جري جماعة كبيرة تقترب، لا شك في ذلك. كان لابد من إعطاء إشارة الإنذار!! لذا، تخلّت عن قدر تطهو فيه السبانخ... وصعدت مسرعة إلى أقرب تلة، وصفرت بأصابعها. سمع المحاربون الثلاثة والمراقب إشارتها، وعادوا بأقصى سرعة. -إنه - الرتل الخامس من الخيالة!! صاحت "الريشة السريعة" مشيرة إلى الأفق، وهي تقفز فوق جوادها الرمادي مثل المرأة المحاربة( ). قال الرئيس: "وهو يمر قربها" - السلحفاة المهذارة هي التي وشت بنا! صاح "الزئبق": - أسرعوا! من هنا! وترك أفراد "قبيلة الخمسة" الأرض العراء، ودخلوا منطقة "الغابات الباردة" على جيادهم السريعة التي كانت تثب وثباً عالياً. ووصلوا إلى "الفجوة الرائعة" التي كانت تحيط بها من جهة الشمال قمة "البرج ف" ومن جهة الجنوب "التلال الحمراء" للمجمَّع المدرسي "كورنتين-كلابيون". ومن الجهة المقابلة، كان "سلاح الفرسان" العائلي قد وصل بانتظام إلى "الوادي المنخفض" الواقع في منتصف الطريق المؤدية إلى قصر "الطاحونة الحمراء"، وانتشر أفراده على ساحة المعركة! استطاع "أفراد" القبيلة، من مواقعهم، سماع كبار السن وهم يصيحون بأصوات عالية كقرع الطبول: - أهذا هووقت العودة إلى المنزل؟! - كم مرة يجب أن ننادي عليكم؟ - ألا ترون أن الليَّل بدأ يخيّم؟! - وماذا عن واجباتكم المدرسية؟ - وعن الدروس؟.. كان الهنود هم الأسرع، لأنهم كانوا يعرفون المنطقة بتفاصيلها الدقيقة، عن ظهر قلب؛ ذلك أنّهم، ومنذ أجيال عديدة، كانوا قد استكشفوا هذه المنطقة: الوديان والجبال والأبراج والأدراج والصخور والأشجار والجداول، كما كانوا يعرفون كل أسرارها. وكانوا كذلك قد درسوا جميع المخارج الممكنة، وأما أفراد مستعمرة "سرية" البالغين، ورغم أنهم مدججَّون بالسلاح، فلم يتجاسروا على سلوك طرق أخرى غير الطرق الآمنة، والمحروسة جيداً، والتي تقود إلى "المركز التجاري" أوإلى الجبال التي تتحكّم بما حولها. وبعد أن ضلّل الهنود مُطارديهم، اجتمع الخمسة، في موقع صغير يطل على المنطقة الصناعية الواسعة، وراحوا يتدبّرون أمورهم... قالت "الريشة السريعة": - لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر! احمرت الوجوه الشاحبة غضباً؛ لقد رأيتها جيداً، وسوف ينتهي بها الأمر إلى القضاء على "القبيلة" بأكملها. قال "الزئبق": إنهم لا يتركوننا بسلام ولو خمس دقائق! وعما قريب، وإذا بقي الوضع على حاله، فلن يسمحوا لنا حتى بالخروج للّعب. قال التمساح الشجاع، وهو رئيس القبيلة: - سوف يعملون على تفريقنا. لقد نصحتني والدتي بالامتناع عن التحدث إليكم. ولن يمر وقت طويل حتى تمنعني عن ذلك نهائياً! تقول إنكم ستكونون "أشقياء المستقبل"، لكنني أعلم أن كل واحد من عجائزنا يظن الشيء نفسه بأولاد الآخرين. إن أمي قد اتفقت على ذلك مع السيدة "بلوشون" وأخريات..... وعند ذكر اسم السيدة "بلوشون" خيم صمت مأساوي على المكان. قال "كوكا كولا":.... وقريباً جداً ستظهر نتائج امتحانات هذا الفصل. وعاد الصمت المأساوي يخيم عليهم من جديد...وبدأ الليل يُرخي سدوله على السهل: قال الزعيم:... يجب ألا نفقد معنوياتنا العالية. غداً الأربعاء سنلتقي هنا الساعة الثالثة بعد الظهر...هل أنتم موافقون؟! قال الزئبق: -كلا؛ عندي مباراة بكرة القدم. - سوف يحلّ لاعب آخر محلك. -لا..لأنني أنا الذي سيحل محل لاعب آخر. وكما تعلمون ينقصنا لاعبون في هذه الفترة. إن أحسن لاعبينا قد ذهبوا إلى الصف الأخضر.. (الفريق الخصم). قال "كوكا كولا":- لهذا إذاً، يرسلون في طلب "لاعبين فاشلين"، مثلك. - شكراً للإطراء، على كلٍّ، فإنهم يسعدون جداً بوجودي معهم. - حسن، وغداً صباحاً، الساعة العاشرة؟ قالت "الريشة السريعة": عندي درس على البيانو. انتفض الرئيس بعنف.وقد تملّكه الغضب: - هكذا إذن! مادام الأمر على هذا النحو فليس من داعٍ لتشكيل جماعة أو أي شيء آخر، وإذا كان للواحد منكم أعماله الخاصة التي يتمسَّك بها كل هذا التمسُّك، فليبق على مثال أسلافه! وأنا، في هذه الحالة، أترك كل شيء! - لا تغضب....
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:25 pm | |
| قاطعتهم "فأرة السم": - ..اسمعوا... يجب علي أن أعود إلى المنزل، وإلا ربطوني إلى عمود التعذيب... - حسناً... قررّ الرئيس العودة إلى المكان. غداً الساعة الخامسة. ثم تحدّث التمساح الشجاع. لم يعترض أحد، وتبادّلوا التحية السرّية، ثم رحلوا عن المخيم عند الغَسَق... وكل منهم يحمل محفظته على ظهره. مرة أخرى، كان المصعد معطلاً! وصعدت "الريشة السريعة"، الطوابق الأحد عشر مهرولةً. وعندما أدركت منزلها صار يمكن تسميتها "الريشة الذابلة"، ثم الريشة الساقطة على الأرض،بعدما تلقّت صفعتين من والدتها التي كانت تنتظرها خلف الباب، قالت وهي تنهض وتتنهد ثم تمسح أنفها بطرف كمها، صفعة أكثر أو صفعة أقل لم يعد يهمني!"... لم تكن مائدة الطعام قد نُظِّفت بعد، والغرفة تعبق برائحة المأكولات المتنوعة؛ كان أهلها قد انتهوا من تناول طعامهم، وكان والدها جالساً أمام شاشة التلفاز يتابع فيلماً أميركياً. صاحت أمها وهي تذهب إلى المطبخ مسرورة بصفعها: وقالت: هل تعتقدين أن الأمر انتهى عند هذا الحد؟! وبدأت "الريشة السريعة" تنظف المائدة، محدثة ضجة كبيرة وهي تمسح الصحون من الصلصة وتفرغها في الصحن الكبير، حتى تُري الجميع أنها كانت تعمل. وفيما كان أخوها الكبير في الممر، قال ساخراً: - مابك أيّتها "الريشة الضائعة" في مهب الريح؟!! أجابت وهي تمدّ له لسانها: - اسكت، أيّها الأحمق العجوز! - أوه! أدخلي لسانك، ولا تخرجيه ثانية. لقد احتفظت لك بقطعة من الحلوى! صاحت الفتاة الصغيرة وهي تتبع أخاها إلى غرفته: - صحيح!...أنت لطيف جداً! وكانت قطعة لذيذة من "فطيرة الدُرَّاق" الشهي كنتِ على وشك أن تمسكي عن الطعام. لكن لحسن الحظ، يوجد احتفال بالعيد. هذه الأمسية -ولا أدري أين- يتخلّله الرقص وأمور أخرى. وقد ذهبتْ إلى ذلك الاحتفال أخواتنا العزيزات، وهنّ متنكرات جيداً . لولا ذلك لكان عليهن. ياصغيرتي ذات الثياب العتيقة، توسيع لجنة الاستقبال للاحتفاء بقدومك، ويجب أن تعترفي بأمرٍ، أنك تعودين متأخرة قليلاً بالنسبة ليوم دراسي. - أوه، وماذا في ذلك؟ عمري الآن عشر سنوات! - شيء جميل، لكن هذا لا يعطيك الحق في العودة إلى المنزل عند منتصف الليل! وبعد أن انتهت من تناول الحلوى، قبلّت أخاها. *** سار "كوكا كولا" وهوطفل أسمر، قصير ونحيف، - بمحاذاة أحواض "اللبلاب"، ثم دار نحو أزهار الدالية، أول باب للبناء الموجود هناك. صعد طابقين، وتناول المفتاح المعلق حول رقبته، وفتح الباب على الناحية اليسرى من صحن الدرج. لم يكن عمه موجوداً في البيت. ووجد على طاولة المطبخ علبة من "الرافيولي"( )فتحها، وسكب محتوياتها في قدر صغير، ثم أعدّ الطاولة، وفتح التلفاز ليشاهد الفيلم... وأجل مراجعة دروسه إلى الغد (وغداً سوف يراجع دروسه). وبما أن عمه لا يعود إلا متأخراً جداً فقد أخلد "كوكا كولا" للنوم بعد أن انتظره طويلاً، وشرب زجاجة الكوكا كولا. ***
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:25 pm | |
| حين عاد القائد "التمساح الشجاع" إلى المنزل، كانت عائلته، بكامل أعضائها، مضافاً إليها أبناء العمومة الساكنين في الطابق السادس، يتابعون الفيلم الأميركي، في غرفة الجلوس التي تحولت إلىقاعة عرض لهذه المناسبة. خلع حذاءه بحذر شديد، عند المدخل، وسار على رؤوس أصابع قدميه، حتى وصل المطبخ، والتهم مابقي من طعام في الأطباق. كان الطعام بارداً ودبقاً، ولم يكن هناك مايدل على أن دومينو الكلب الابيض والأسود، لم يسبقه إلى شيء من تلك الأطباق، لكنه أفضل من البقاء صائماً، غير أنّه من جهة أخرى، تناول قطعة كبيرة من الحلوى، وتسلل بعد ذلك، بخفة، إلى غرفته التي يشاركه إياها اثنان من أصغر أخوته وصعد إلى السرير العلوي وغرق في قراءة قصة مصورة. كان والدا "الزئبق" ينتظرانه على باب البناية "ب"، وقد شمرا عن سواعدهما، وعلى جانبي درجات المدخل القليلة، وقف الجيران في صفين كحرس الشرف. وهم يتحدثون حول التربية الحديثة. حارس البناية أعطى الإشارة، وما إن لمحوا شعر "الزئبق" الأشقر على منحنى الطريق وهو يلمع كخوذة على رأسه، حتى ارتفعت أصواتهم، واختلطت عبارات التهديد والصراخ، والوعيد، بعضها ببعض. وكاد الأبوان يفقدان برودة أعصابهما. والابن أُذْنَهُ اليسرى... وحُرِمَ "الزئبق" من كرة القدم. *** من "قبيلة الخمسة"، "فأرة السم" وحدها، هي التي شعرت بالخوف الحقيقي؛ كان الظلام دامساً، وكانت تسكن في منطقة بعيدة عن المدينة، وفجأة، أخذت تركض، وخصل شعرها الكستنائي المربوطة تطير في الهواء. كان هذا هو وقت تجمع سائقي الدراجات تحت المرآة العاكسة الحزينة. وكانت بعض العرائش تتدلى من هنا وهناك. فشعرت بأنها مراقبة، ولم تكن تحب ذلك على الإطلاق. ولحسن الحظ، جاءت أمها لملاقاتها، وكان صوتها يرتجف قلقاً، نادت الأم عليها: - "جيرالدين"! ألا تدركين مدى القلق الذي تسببت به لي ولوالدك..؟ حين دخلتا إلى المنزل، كان أخوها الرضيع يبكي في سريره، نظرت إليه "جيرالدين" نظرة مبهمة، وجلست إلى الطاولة. لم يقل والدها شيئاً؛ وكان قد انتهى من تناول عشائه، وهو جالس الآن، على كرسيه، يراجع ملفات رسمية هامة، وقد بدا شكله غريباً جداً، حتى أن "جيرالدين" -"فارة السم" تساءلت ما إذا كان قد قلق فعلاً عليها أو أحسّ بغيابها. وقررت ألا تعود ثانية إلى أفراد القبيلة. إذا ما أجبروها مرة أخرى على العودة متأخرة إلى هذا الحد.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:25 pm | |
| القَسَم الأعْظَم
في اليوم التالي، اجتمع أفراد "القبيلة" كلَّهم، وهم خمسة أشخاص حقيقيين، وقرابة ألفين وهميين. وبينما كان "الرجال" الوهميون يسرجون الحيوانات الخيالية، وكانت النساء المزعومات يعتنين بالأطفال غير المرئييين، كان الزعماء الحقيقيون الخمسة يعقدون اجتماعاً برئاسة "التمساح الشجاع". كان الجميع قد لاحظوا دون أن يتجرأ أحد على التفوُّه بكلمة واحدة، أن الزعيم الكبير قد حلق شعره كله. كانت "الريشة السريعة" قد استطاعت أن تطير من بيتها خلال فترة قصيرة انشغلت فيها أمها وأخواتها الكبيرات عنها. وقد تمكن "الزئبق" الذي حرم من الاشتراك في مبارة كرة القدم، من الحصول على إذن باللعب أمام مدخل البناية بقوسه وسهامه، فاستغل الفرصة للهرب. وفرضت "فأرة السم" شروطها عن إعطائها الحق في الذهاب ساعة تشاء. **** وهكذا، انتهى اجتماع "حكماء" هذه القبيلة الفريدة في نوعها، حيث كان للمرأة الحق في الإدلاء برأيها؛ قال "التمساح الشجاع" وهو شارد الفكر: - سوف ننظم صفوفنا! - فكرة حسنة! - ولكن كيف؟! - ولأي هدف؟! وحدها "فأرة السم" التزمت الصمت. كرَّر "التمساح الشجاع": علينا أن ننظم أنفسنا... لنحبط خطط العدو، ولنتغلَّب على فرقة الخيالة الخامسة. لقد اتهموني بالخيانة، وحلقوا لي شعري كله...وغداً، إذا تركنا هم على سجيتهم، فسوف يتجرَّأون، ويسلخون فروة رأسي. ارتعدت الفتيات خوفاً، عند سماع هذا، وكذلك "كوكا كولا" صاحب الشعر الجميل. وأضاف قائلاً: - لا تنسوا أنهم يحصلون على مساعدات جديدة. إن السيدة "بلوشون" قد أعارتهم مدفعيتها. الآن! هتف الزئبق: - إن ما لا نستطيع تحقيقه بالقوة، يجب أن نحققه بالحيلة! - ولتحقيق هَدَفنا يجب أن تكون لدينا أفكار. قالت "الريشة السريعة": - لدينا الأفكار. ليس هذا ماينقصنا.. - آه، نعم! إذاً، ما الذي ينقصنا؟! - حسناً... نحن، وبطريقة ما، نمثل هنود العصر الحديث ونعيش بمعزل عن العالم، دون التمتع بأي حق من الحقوق؛ لنفعل، إذاً، مثل أجدادنا الهنود. قال "كوكا كولا": أنسيت أنهم سوف يقضون على جميع خططنا. هم أيضاً يشاهدون التلفاز. قال "الزئبق": وعدا ذلك، سوف يكون من الصعب جداً تنفيذ عمليات السلب والحرق، دون أن يمسكوا بنا. قالت الريشة السريعة: حسناً جداً! وما الذي عنيته، إذاً، بالحيلة. صرخ التمساح الشجاع فجأة وهو يعيد كرة رماها بعض الأطفال الذين كانوا يلعبون حولهم، وكانت قد أصابت وجهه: هؤلاء الصبية سيئون! (كان هؤلاء الأطفال حقيقيين، ليسوا من القبيلة، وقد جاؤوا للَّعب في هذا المكان دون تصريح مسبق). قال الزئبق:- إنّهم يستحقون آلاف الصفعات! - يجب ألا ندعهم يخرجون سالمين. - هذه الأرض المنبسطة ملك لنا! وكذلك تلة الصيد تلك! - إذاً، هيا لنطردهم! هبوا واقفين مرة واحدة، وبدأوا يزأرون بوجه الأطفال الذين فرّوا هاربين، وهم يبكون. لم تتحرك "الريشة السريعة" من مكانها، ولم تحرك ساكناً، وعندما عاد أفراد القبيلة، وجلسوا في أماكنهم، قالت: - هذا تصرف سيئ. - صاح الزعيم: - وماهو السييء فيه؟ - لقد تصرفنا مثل "فرقة الخيالة الخامسة". وخيم السكون، وتناهت إلى مسامعهم الأصوات الهادرة لشاحنات نقل النفط. التي لا ينقطع مرورها على الطريق الكبير لقلعة "جول فيري". قال التمساح الشجاع خجلاً: - أوه... لنكمل الاجتماع. - إلى أين وصلنا؟! - إلى السلب والحرق، حتى ولوكانت "الريشة السريعة" تعتقد أن هذا ليس تصرفاً جيداً. - آه، نعم، عندها حق! علينا القيام بغير ذلك. - الأمر كله... إنه لا توجد لدينا أيّة إمكانيات من أي نوع. إنهم الأقوى. قد ننجح في تحقيق بعض "الدعابات" هنا أو هناك، لكن الأمر سينتهي بفوزهم. - دعابات؟ هذه فكرة شيقة. قال "كوكا كولا": -هه! هذا ليس بالأمر الجديد. - دعابات! لقد فعلتها كثيراً جداً مع عمي. قال الزئبق: - وأنا، مع حارس البناية، أرتب أموري دائماً بحيث أسقي أزهار شرفتي، في الوقت الذي يجلس فيه تحتها ليستظل بها. صاح التمساح الشجاع: - نعم.. نعم! لكن هذه الدعابات تبقى دعابات منفردة! ألاعيب صغيرة ليست ذات قيمة! مثلاً، سرقة طباشير السيدة "بلوشون" إنّها تسْتطيع الحصول على أية كمية، من المدير. لا أدري من أتته هذه الفكرة منذ يومين. لكنه أحمق. "الريشة السريعة" على حق إن ما أريد قوله هو: علينا أن نقوم بخدع حقيقية.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:26 pm | |
| نشترك نحن الخمسة في الخدعة! سيكون هذا ممتعاً! سألت "فأرة السم": - من لديه فكرة للقيام بخدعة؟.. - حسناً... الجميع لديه أفكار لألاعيب جديدة.. قال التمساح الشجاع: - طبعاً! لكن ما أريده، هو أن تكون ألاعيبنا كبيـ...يـ..يرة! أريد خدعاً تشمل السكان جميعاً! وتتحدث عنها الصحف. قالت "فأرة السم": -هاكم هذه الفكرة مثلاً؛ كم سيكون الأمر جيداً، لو كنا نملك القدرة على الاختفاء! قال الزعيم: أنتِ.. ما الذي يدور في رأسك الصغير؟ - نعم، وماذا في ذلك؟ نستطيع بذلك أن ننفذ خدعتنا، ونختفي بهدوء، دون أن يرانا، أو يشعر بنا أحد! - هذا بسيط للغاية! عبقريّ يّ يّ! بالمناسبة، هل لديكِ طريقة معينة للاختفاء والتواري عن الأنظار؟! رفعت كتفيها علامة للنفي. - لا، طبعاً! كنت أقول هذا على سبيل المزاح والضحك. - إذاً هيا نضحك أيها الإخوان! لنضحك! ها، ها، ها...ها.. يكفي. لقد ضحـ..ك... نا كثيراً. يكفي. قطَّبت "فأرة السم" حاجبيها... قال "التمساح الشجاع": - ولِمَ لا؟! في تلك اللحظة، لماذا لا نتحول إلى أشخاص راشدين؟ مثلاً: سوف أطيل شاربيّ وأسطو على البنك، ثم أعود طفلاً بعد ذلك مباشرة؛ وهكذا لن يراني ولن يمسك بي أحد. وضحكوا كثيراً هذه المرّة، لأن تصور "الفكّ الكبير" وعليه شارب كان مضحكاً للغاية، خاصة عندما سيواجه السيدة "بلوشون". قال الزئبق: -سوف يكون ذلك رائعاً. وعندما يأتي "الكبار" لمواجهتك فسوف تتحول إلى مصارع حر، وتلفهم بطريقة آلية، وتنهال باللكمات على وجوههم، وتهزم كل اثنين معاً، بالضربة الواحدة... وهكذا تنتهي همومنا! وفي اللحظة ذاتها يمكننا تخيل أي شيء آخر؛ لو بدأت الإعلانات مثلاً، تتكلم؟! - وتتحرك؟ - تتحرك! إنني أرى الأم "دينيز" وهي تغطس رأسها في غسالتها. قال "كوكا كولا"- أما أنا. فلدي فكرة أخرى. ليس من الضروري أبداً السطو علىبنك؛ إن هذا عمل غير شريف ومحفوف بالأخطار.أود أن يكون لدي كنز لا ينفد أبداً، وكلما أخذنا منه النقود، عاد وامتلأ من جديد. وبواسطته سوف ندبر بعض "المقالب" أنا واثق من ذلك؛ لأن النقود تساعد على فعل أي شيء! سأدفع المال لعدد كبير من سيارات الأجرة كي تأتي وتغلق منافذ الحي في الصباح الباكر، وهكذا سيتأخر عمي عن الوصول إلى مقر عمله، ولاشيء يثير غضبه. أكثر من وصوله متأخراً إلى مكتبه، ولم أفهم سبب ذلك... - وهكذا سوف يكون لك عَمٌّ غاضب حتى آخر يوم في حياتك إذا كانت هذه إرادتك.... قاطعهم "التمساح الشجاع": - يكفي هذا! لقد مزحنا كفاية حتى الآن! نحن مجتمعون هنا للتخطيط لنشر الفوضى في صفوف "فرقة الخيالة الخامسة". وليس لأي سبب آخر! سكتوا جميعاً، وركّز كلٌّ منهم كي يجد فكرة مناسبة. وبما أن الأفكار لم تأتِ، فقد جالوا بأبصارهم، ونظروا حولهم، فلاحظوا غير بعيد عن موقعهم، شخصاً يجلس على برميل نفط قديم؛ كان يستمع إليهم ويدوِّن ملاحظات على دفتر صغير، فأخذوا يحدِّقون إليه ويتفحَّصونه، ومالبث أن وقف، وصحّح وضع نظَّارته، وسار مبتعداً. قالت "الريشة السريعة": - إنه جاسوس آخر من جواسيس "فرقة الخيالة الخامسة" - لكنها المرة الأولى التي نراه فيها. - يبدو أنه قد التحق حديثاً في صفوفهم. قبل ذلك كان يخدم في فوج آخر. - في "فوج الخيالة الثامن"، مثلاً؟! - نعم، في "الثامن"، ولم لا؟ لديهم أفواج كثيرة، كما تعلم. - آه! قال "التمساح الشجاع": - لحسن الحظ أننا لم نكن نتفوه بحماقات. قالت "الريشة السريعة": - نعم! كيف كنا نبدو ياترى؟ - نحن لا يهمنا كيف نبدو أمام أنظار العدو. قاطعتهم "فأرة السم": - لقد تأخر الوقت- وأنا أرى أننا لم نتقدم كثيراً. قال "التمساح الشجاع": -هذا صحيح- لا توجد لدينا، هذا المساء، أفكار جيدة، نحن بحاجة، فقط، للترويح عن أنفسنا، وهذا جيد. يحتاج المرء بعض الأحيان أن يفرج عن نفسه بالتفوه بحماقات. سوف نؤجل جلسة اليوم إلى الغد، وحتى ذلك الوقت، ليفكر كل واحد منكم بخدعة. قال الزئبق: - جيد! - قبل كل شيء، سوف نتعاهد على الحفاظ على السرّ. - الأفضل أن نُقسِم على ذلك. لنقف جميعاً! وقفوا، وشكلَّوا دائرة... خفضوا رؤوسهم، ثم مدّوا أيديهم نحو مركز الدائرة، حيث تلامست. قال التمساح: - نقسم على اتحادنا، وعلى محاربة "فرقة الخيالة الخامسة" ردَّد الآخرون: - نقسم على ذلك! - نقسم على أن يُساعد بعضنا البعض الآخر حتى الموت! - نقسم على ذلك! - نقسم على الحفاظ على سرية مشروعنا! - نقسم على ذلك!
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:27 pm | |
| وبصقوا جميعاً على الأرض. ثم، وبصمت، أقسموا لأنفسهم القسم السري، وأدار كل منهم ظهره لرفيقه، وذهب على حصانه نحو "الجبال الرمادية" لقلعة "جول فيري"، أو "الغابة المظلمة"، للمركز التجاري، أو نحو الأراضي البعيدة "للمنازل الصغيرة المقدسة". كانت جيادهم الجامحة ترسل غيوماً عالية من الغبار؛ فتحجب ضوء الشمس الغاربة.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:28 pm | |
| بَيْتٌ في الغَابَة
أمسكت السيدة "بلوشون" بطبشورة، وحاولت، بلا جدوى، أن تكتب جملة على السبورة. كانت الطبشورة تنزلق دفعة واحدة، دون أن تترك أي أثر. أمسكت المعلمة بواحدة أخرى، لكن المشهد تكرر من جديد: الطبشورة تتزحلق وتنزلق جانباً، ساحبةً خلفها المربية التي كادت أن تقع عن المنصة، وتسقط فوق سلة المهملات! التفتت إلى التلاميذ. في الصف، توارت بعض النظرات المتهكمة خلف الكتب المفتوحة، وسرعان ما صمتت الضحكات المتفرقة التي كانت تصدر من هنا وهناك. - أيتها الآنسة "الريشة السريعة" قِفي! انتصبت "الريشة السريعة" واقفة، وقد أدهشتها معرفة "السلطات الرسمية" اسمها السري. إن "فرقة الخيالة الخامسة" لديها جهاز استخبارات منظم تنظيماً رائعاً. تابعت المعلمة: -أيتها الآنسة "الريشة السريعة". لا أعرف من أين أتتك هذه التسمية. لكن ودون شك، لا علاقة لها بنصوص الإملاء أو مواضيع التعبير والإنشاء التي تكتبينها؛ ففي هذين المجالين، ريشتك مرتبكة، اذهبي الآن إلى المدير، واطلبي منه علبة طباشير جديدة. تبادل "الهنودالخمسة" نظرات فيها الكثير من القلق والريبة. وعندما عادت "الريشة السريعة" بالطباشير، رفعت السيدة "بلوشون" رأسها، وتنفست بعمق، عائدة إلى السبورة؛ ولم تكن النتيجة في صالحها، فالطباشير كانت جيدة، ولكن السبورة هي التي كانت قد خُرِّبت؛ "فالتمساح الكبير" كان قد استغل فرصة الظهيرة كي يدهنها بقطع السجق التي استلمها من مطعم المدرسة، وأصبحت السبورة لزجة جداً، ولم تستطع جزئيات الطبشور أن تعلق بها، وحدثت بين الصفوف حركة إثارة، لكن "فرقة الخيالة الخامسة"، كانت تشعر بالكبرياء فالسيدة "بلوشون" التي هي إحدى قادة عصابة "الوجوه الصفراء"، فكرّت برهة وجيزة، ورفعت رأسها ثانية وزمت شفتيها، ثم ثبتت أوراقاً بيضاء كبيرة على السبورة بمسامير كبس، وبعد أن سجلت انتصارها هذا، كتبت جملتها الملعونة بالقلم؛ وهكذا استطاعت أن تكمل درس القواعد. في البدء، ترددت ضحكات صغيرة وخجلة، في أنحاء متفرقة من الصف، وما لبثت أن علت واتسعت، حتى عمت جميع أرجائه. تلفتت السيدة "بلوشون" حولها، لكنها لم تعرف سبباً لهذا الهرج. فقد امتص الورق الأبيض الذي ثبتته على السبورة كل الدهن الموجود عليها، وتشكّلت عليه بقع صارت تكبر وتأخذ أشكالاً مضحكة، و"تبتلع" كلمات الجملة، وهكذا ثأر الهنود لأنفسهم. ثم حان وقت الفرصة. أصرّت "فأرة السم" على رأيها وهي تقف في ركن من ساحة المدرسة يقع بين المغاسل والحمامات، وبين سلم النجاة: - أؤكد لكم أن هذا صحيح! قال التمساح الشجاع: -لكن كيف حدث ذلك؟ ولم نره قط! - ومن أين لي أن أعرف أنا؟ ثم إن هذا هو طريق بيتي وليس طريق بيتكم. وأنا واثقة تماماً أنكم لا تذهبون إلا نادراً إلى أجنحتنا. - غير مهم... صفي لنا هذا "الشيء". - إنه منزل مهجور؛ وزجاج نوافذه كلها محطّم، لكن الشبابيك لا زالت بحالة جيدة، إنه موجود في قلب غابة "سان أناتول" على بعد مئتي متر تقريباً عن الطريق، ومخبَّأ جيداً بين الأشجار. - وهل هو كبير؟! - نعم! طابق أرضي وطابق أول، وربما توجد فيه سقيفة أيضاً. على أية حال، إنه كثير الغرف! وفيه مداخن... - أنستطيع إشعال النار فيه؟! - وهل أنتِ متأكدة من أنه خالٍ من السكان؟ - لا يوجد خطر من هذه الناحية! إنه مهجور تماماً، ومناسب جداً لعقد اجتماعات القبيلة فيه. لكنه غير صالح للمبيت فيه ولو ليلة واحدة. - ولا حتى لمتشرد؟ - وهل يصلح للتسكع؟ - كلا.. هذا مستحيل. على كلٍّ، لم أرَ فيه أحداً.. سأل الزئبق: - وهل نذهب إليه هذا المساء؟ قال التمساح الشجاع: - حسنٌ! سنذهب إليه هذا المساء. وإذا راق لكم، فسوف نتخذه مقراً لقبيلتنا.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:28 pm | |
| أتقصد قريتنا! - أقصد ملجأنا، في حال وقوع كارثة! - وهناك، سوف نحضرّ غاراتنا على فرقة الخيالة الخامسة. - وسنحتمي فيه إذا انهزمنا! - إلى اللقاء، إذاً، هذا المساء! دق الجرس معلناً نهاية الفرصة. وبالغمزات وطرفات العيون المتآمرة أنهوا يومهم المدرسي في حالة من الهياج الشديد، الذي عزته السيدة "بلوشون" إلى تقلبات الجو؛ فكانت تختلس النظر بطرف عينها، إلى السماء، من خلال النافذة، وهي تلوم نفسها لأنها نسيت مظلّتها في البيت، وتوقعت أن تهب عاصفة هوجاء مخيفة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولم تحصل سوى على ضحكات مكبوتة ومبتورة، وركلات أقدام متبادلة، و"همسات أو تمتمات" مهموسة بين الشفاه، وطائرات من الورق مُعْتَرَضَة وممزقة، ودفاتر مرمية على الأرض، وكتب مبعثرة، وطباشير مسحوقة، وأقلام حبر مفرغة رشّاً على صفحات بيضاء، وشعر مشدود، ونظارات ملوية... بينما ظلت السماء على حالها، بعدما أُطلق سراح التلاميذ، (هل كانوا في سجن الباستيل؟). ونزلوا إلى الشارع. "فأرة السم" لم تكذب، ولم تحاول حتى حتى أن تُجمّل الأشياء. لقد كان هنا منزل لأحلام، منزل القبيلة، وقام التلاميذ بزيارة غرف الطابق الأرضي الأربع وهم يتمتمون بعبارات الإعجاب. ثم صعدوا السلم القديم الذي قادهم إلى غرف الطابق الأول الأربع. كان ورق الجدران ممزقاً في أماكن عديدة، لكنه مايزال يحتفظ ببعض الآثار، حيث أمكنهم مشاهدة بعض الورود ذات اللون الزهري، أو البني الفاتح، وسلاسل أفقية زرقاء وبيضاء، وكذلك بعض الرسوم الرمادية. كان هذا كل مايحتويه المنزل، لقد كان خاوياً فعلاً، ومجرداً من الأثاث أو البسط أو الألواح الزجاجية على النوافذ حيث كان خشب الدعائم العاري يصطفق مع الرياح العاتية. وبدت الأرضية بحالة جيدة، على الرغم من وجود بعض الأنقاض عليها. وبدا أن آخر قاطني هذا المنزل لم يتركوه إلا من فترة قصيرة. نظروا من جميع النوافذ، وتفحصوا كل الأبواب والأجنحة، وصعدوا ونزلوا على السلم، ووضعوا المخططات المبدئية. - هنا المطبخ. - هنا قاعة اجتماع القبيلة. - يلزمنا بعض الأثاث. - على الأقل، بضعة كراسٍ. - وما فائدتها؟ عندما كنا نجتمع في التلال، كنا نجلس على الأرض! - إن وجود أثاث في المنزل يُعَدُّ شيئاً جيداً. - لدى عمي بعض قطع قديمة من أثاث منزله، في القبو، ومقاعد، وإذا كان هذا ماتريدونه-سيعيرني إياها حتماً. - ليُحضر كل واحد منكم ما يستطيع تأمينه. - ألن تُسرق أغراضنا، إذا تركناها هنا؟ يمكن لأي شخص أن يدخل إلى هذا المكان متى شاء! - لن يرغب أحد بإرباك نفسه بمقاعد قديمة. - نستطيع أن نضع ستائر... - وسجاجيد... - هيه! تعالوا انظروا! توجد سقيفة هنا، فوق! وتدافعوا نحو السلم الذي اكتشفه "الزئبق" عند زاوية الممر، في الطابق الأول، والذي يصل إلى باب قلاب يفتح فوق رؤوسهم تماماً. قال "كوكا كولا" : - أنا لن أصعد معكم. - لماذا؟ - لابد من وجود بعض "الحيوانات" في الداخل! - أيّها الجبان. حيوانات! حتماً سيكون هناك واحد منها عندما ستدخلها. - هل أنت خائف من مصادفة نمر؟ - أو دب قطبي؟ - كلا... بومة أو... غربان تطير أمام وجوهنا، أو أيضاً الأفاعي. شكراً جزيلاً. كانت "الريشة السريعة" و"التمساح الشجاع" قدتخطيا فتحة الباب القلاب. وعلى عكس الغرف الأخرى، كانت السقيفة تعج بالملابس الرثة والأثاث القديم المدهش. وأمضى هنود القبيلة أمسيتهم فيها -بما في ذلك "كوكا كولا" الذي صعد إليهم خوفاً من بقائه وحيداً في الأسفل- دون أن ينتبهوا لمرور الوقت، أو لخروج "فرقة الخيالة الخامسة” من قلعة "جول فيري" وانتشارها من جديد في السهل، للبحث عنهم. | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:28 pm | |
| انشغل الهنود الخمسة في اكتشاف محتويات "المخزن" من بدلات قديمة مغبرة، وفساتين، وستائر وأحذية نسائية ورجالية، وجزمات، مكدَّسة ويوجد بعضها فوق بعضها الآخر في ركام لا يمكن وصفه. وكان الركام نفسه هو أكثر ما يسعدهم في هذه المحتويات. وجدوا آنية مائدة وآلة تصوير أثرية، وسيوفاً صدئة، وقِرَبَ خمر، وصحوناً فضية، وشمعدانات، وكراسي محطمة، ولعباً قديمة، وكتباً عفنة بفعل الرطوبة، وحيوانات محنّطة: ابن عرس وبومة، وأبواق صيد، وبندقية مصنوعة من الحجر، وفوانيس زيتية، وحقائب سفر، وأغطية أسرّة، وعدسة مكبّرة، وسكاكين، وشرائط، ولآلئ، وجزداناً صغيراً مليئاً بقطع النقود القديمة، وسجاجيد شرقية، ولوحات لكبار الفنانين... كانوا سعداء، سعداء جداً كلما اكتشفوا غرضاً جديداً، تجرأ التمساح الشجاع قائلاً وهو يرى الليل يرخي أستاره: - لكن، يجب علينا أن نعود إلى منازلنا. - إنه لأمر مؤسف! - سوف نعود غداً! - نعم، لكن ذلك ليس إلا حلماً؛ غداً، لن نجد شيئاً البتة! قال التمساح الشجاع: - حسنٌ! إذاً- أقترح ألا نعود وأيدينا فارغة؛ ليأخذ كل منا معه شيئاً واحداً فقط، سراً، طبعاً، من هذا المكان إلى منزله. ودون أن يفكروا، ولو برهة قصيرة، بموضوع ملكية هذا المنزل ومحتوياته، وجدوا الفكرة ممتازة، وبدأوا يفتِّشون. أخذ "التمساح الشجاع" قرناً، فأصدر صوتاً مرعباً عندما نفخ فيه. وضع "الزئبق" في جيبه منظاراً مقرّباً أعجبه كثيراً. وانتقت "فأرة السمّ" مرآة منقوشة الجوانبِ بدقةٍ، ورأت نفسها فيها أجمل مما هي في الواقع. وبعد أن تردد "كوكا كولا" بين سيف وآلة تصوير،أخذ في النهاية جزداناً له قفل مذهب. وتركوا المنزل في الظلام الحالك، ومشوا وهم يتلمّسون طريقهم في الغابة غير مطمئنين. "الريشة السريعة" لم تأخذ شيئاً. لكنها سمعت، وهي تنزل السلم، حفيفاً حول أذنيها، وشعرت بأن طائراًحط على كتفها، وبدلاً من أن تخاف منه، أو تبعده، تركته يرافقها طول الطريق، وكان يطير من هنا إلى هناك، أو يقف من جديد على كتفها، أو على يدها، واكتشفت "الريشة السريعة"، على ضوء مرآة عاكسة. إنّها يمامة ناصعة البياض؛ فابتسمت لها. كان الوضع "العسكري" قد تفاقم إلى حد خطير للغاية، وكانت "فرقة الخيالة الخامسة" قدنشرت قواتها. وما إن يخرج الهنود من غابة "سان أناتول" حتى تطلق المدفعية التابعة لها آلاف الطلقات، تعبيراً عن غضب سكان المدينة والضواحي الذين كانوا يعانون حالة انفعال شديد بسبب تجاوز "الهنود" هذا اليوم، كل قواعد ومقاييس وحدود اللياقة والأدب، وبكل بساطة: الوقت. لقد كانوا يتوقعون نتيجة ذلك عودة مضطربة، وملاحظات لاذعة -على أقل تقدير-، ونهاية للسهرة حامية بدرجةكافية، ونوماً مقلقاً. ومع ذلك، لم يكن هذا كل ماحدث لهم في هذا المساء.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:29 pm | |
| عودة غريبة!
توجد، على الأقل، مليون حيلة ووسيلة للعودة بذكاء إلى المنزل، عندما تحوم في الجو رائحة الحرب كما كان يحدث هذا المساء. ويرتكز بعضها، على إيجاد حجة مناسبة نوعاً ما، وأن يختفي الواحد منهم خلف أكاذيب متراكمة بعضها فوق بعضها الآخر كصناديق البرتقال؛ لكن هذا النوع من الحيل لن يصمد أو يدوم أكثر من صمود صناديق برتقال أمام نيران المدفعية. ويمكن لأحدهم أن يلوذ بالفرار، بعد أن يشعل النار في الغابة، وأن ينشر ذعراً يضاهي الذعر الذي يحاول الخلاص منه. وبإمكانه أيضاً إطلاق صيحات هلع مأساوية لحظة الإمساك به، لإيهامهم بحدوث حادث رهيب له، مما يجعل الأهالي يشعرون بشيء من الراحة والاطمئنان لأنهم يواجهون مسألة تأخير بسيط فقط. وهذا ما يسمّى بـ "المسألة النسبية"! كان هنود "قبيلة الخمسة" قد استخدموا هذه الحيل مراراً، واستهلكوا جميع خيوطها، وكان يلزمهم هذا المساء شيء مختلف تماماً كي يأملوا بالنجاة في " المحكمة العليا". تمّ الأمر لكل واحد منهم، وعاد إلى منزله بحيلة جديدة، وهو بحالة جيدة،وفي ساعة متأخرة من الليل، ودون إذن مسبق بذلك، مضيفين إلى حيلهم السابقة حيلاً جديدة من نوع آخر. *** كان "التمساح الشجاع" أول من شعر بالخطر،بعد أن ابتعدوا عن المنزل المهجور مسافة تقل عن المئة متر. وعرف أن هناك شبه غارة تعد لها العدة، من خلال الأنوار التي كانت تشع من هنا وهناك كشهب هابطة من السماء، ومن النداءات والأصوات المتفرقة التي كان يتبادلها أشخاص يحملون فوانيس بأيديهم. وبحركة واحدة أوقف صحبه: - قفوا!.. والآن، انتشروا.. المكان يعجّ بالجواسيس سوف أنفخ ببوقي لأجذبهم نحوي؛ استغلوا أنتم الفرصة للهرب والعودة إلى منازلكم التي ستصلون إليها قبل أجدادنا، وهذا شيء جيد. ولَيْحمِكم الإله "مانيتو"( )، أنتم وجلودكم التعيسة! وما إن التقطوا أنفاسهم، واشتدت عزائمهم، حتى انطلقوا جميعاً هاربين، وهم يكنون العرفان بالجميل، لزعيمهم الذي سوف يتحمل التعذيب المخيف الذي يُعدّ عادة للقادة والزعماء. استل "التمساح الشجاع" بوقه الذي كان يتدلى من رقبته، بشريط أحمر جميل، ورفعه بفخر إلى فمه، وأغمض عينيه، ثم تنفس بعمق و...نفخ، مرة وثانية وثالثة... انتشر في الغابة لحن موسيقي رائع، وفريد في نوعه، كان طويلاً وثابتاً، ونحاسياً ورناناً، وظل ينتشر حتى ملأ الغابة. وبدا لـِ"التمساح الشجاع" أن جسمهُ يكبر. وأنه أخذ شكل رجل، وهيكل عملاق. وشعر بأن الأرض التي يقف عليها أصبحت أبعد وأن الأرجل التي تمشي هناك، بعيداً جداً تحته، ليست له.... وتوقف عن النفخ... وانقضت عليه الكلاب، مثلما انقضت على "رولان دورونسوفو" الشخصية الأسطورية القديمة؛ - قيل له: - عفواً، سيدي، نحن في مهمة للبحث عن خمسة أطفال لم يعودوا من المدرسة، هذا المساء...! إننا قلقون جداً عليهم.. (سيدي؟ سيدي؟ سيّـ يـ يـ يـدي! هل أنا الشخص الذي يكلمونه؟ بِش.. ش!! ونظر حوله... سيدي يـ يي؟ إمّ، إمّ، إنه، دون شك، سوء تفاهم ناتج عن الظلمة، لكن لا، لا، مستحيل! كان الناس يحيطون به، لم يكونوا أبداً أطول قامة منه!). أجابهم بكل وقار: - خمسة أطفال؟ وهاهو يتكلم بصوت ضخم، صوت جميل جداً،وعميق وخفيض ورنان! رفع يده إلى حنجرته، ثم إلى خده... هنا؟ شَعْر؟ لا! إنها لحية! كان له لحية وشاربان! - نعم، - ردد الناس من حوله - خمسة أطفال! - لم نستطع العثور عليهم! - لا بدأنهم هربوا! صاح التمساح الشجاع بصوته الهائل: "انتظروا، انتظروا! لنفكر قليلاً، هِم... هِم.... لكن، لا يوجد أي سبب يبرر هروبهم، أليس كذلك؟ - حسن... - أووه... - أي أن.... زمجر "التمساح الكبير": - ماذا، أي أنّ؟ تجرأ أحدهم وقال هذه العبارة: - كانوا، فقط، قد تلقوا بعض "التحذيرات" "حول هذا الموضوع. - هم، نعم؛ إنني أرى... وكانوا يتوقعون أن يتلقوا شيئاً أكثر من المعاتبة، اليوم، أليس كذلك؟ - يحق لنا، على أية حال، أن نعبر عن عدم موافقتنا! - قال "التمساح الكبير" وهو شارد الذهن: - طبعاً، طبعاً... لكن حاولوا ألا تتركوا الكثير من "آثار" عدم موافقتكم. وبانتظار ذلك، لنخرج من الغابة. إنّهم ليسوا هنا، لقد رأيت منذ أقل من نصف ساعة، أولادكم الصغار أولئك، ها،ها، ها... إنني متأكد من أنّهم قد عادوا الآن إلى منازلهم، بينما أنتم، هنا، تلعبون دور المهرج، حاملين فوانيسكم هذه. وظل يقول أي شيء يخطر بباله، على الرغم من بعض عبارات الاستنكار التي رددها بعضهم. لقد كان موزعاً بين رغبته في إلقاء محاضرات طويلة، بصوته السحري، صوت الرجل الكامل، حول مسألة "وضع الطفل الحضري" ورغبته في التخلص منهم بأسرع وقت كي يتمكن من تأمل نفسه بهدوء في أول مرآة يصادفها. ومع هذا، فقد كان في سرّه، يضحك من أهله الذين تعرف إليهم وسط هذه الزمرة التعيسة.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:29 pm | |
| وعندما خرج "التمساح الشجاع" من الغابة، وسار في الممرات المضادة، شعر بالدوار مرات عديدة بسبب حجمه الكبير الجديد. كان صعباً عليه التأقلم مع أعضاء طويلة إلى هذا الحد في دقائق معدودة. وبعد أن صرف الأهالي وفوانيْسَهم، سار وحيداً، ويداه معقودتان خلف ظهره، وهو يتطلع إلى البعيد، تداخلت الأسئلة في رأسه. لكن الحقيقة الوحيدة التي كانت لديه حول هذه الحادثة، حتى الآن، هي أن التحول حصل له بعد أن نفخ في البوق، وعلى أية حال، بعد أن نفخ فيه مدة طويلة، إذاً؛ لهذه الآلة علاقة بهذا الموضوع. حسن جداً، إن وضعه الحالي، كرجل ناضج، قد يبدو للوهلة الأولى ذا فائدة كبيرة؛ غير أنّه، في الواقع، سيسبب له مشاكل جدية، أولها: أنّه لن يستطيع العودة إلى منزله وهو على هذا الشكل. فمنذ برهة، لم يستطع أحد التعرف عليه؛ ولن يقبل أخوته أو أبناء عمومته، في الطابق السادس، أن يشاركهم غرفة نومهم "رجل غريب"! ومن جهة أخرى، لم يكن يملك أية أوراق ثبوتية، ولا فلساً واحداً في جيبه، ولا حتى شرحاً مفيداً يدلي به في حال استجوابه. ولم تكد نصف ساعة تنقضي على تحوله إلى رجل، حتى بدا له أن ذلك قدحدث منذ وقت طويل جداً. إن جميع أنواع السحر، وعلى اختلاف أنواعها، لها نقيضها. والوضع المثالي هو أننا عندما نملك سحراً معيَّناً. يجب علينا أن نعرف، بالتأكيد تعويذة إِبْطاله. و"التمساح الشجاع" لم يكن غبياً أو أحمق بتاتاً، وكان ترتيبه السييء في المدرسة غير قائم على أسس صحيحة، بل كانت نتيجة نزواته ومواقفه المتقلبة. ثم إنّ أكبر دليل على ذكائه هو اختياره زعيماً للقبيلة؛ نعم! هذا هو الدليل القاطع على أنّه ذكي.وبدأ يفكر:سحر -مضاد للسحر؛ سم -مضاد للسم؛ مرادف -ضد؛ تيار -مضاد. - آ ا اه! وإذا نفخت في الناحية الأخرى من البوق؟ وأخذ آلته ونفخ فيها؛ ليس من ناحية الفم الضيق بل من الجهة الواسعة، فأرسل البوق صوتاًطويلاً وحاداً،ومضحكاً نوعاً ما، نظر "التمساح الشجاع"، إلى قدميه، ورأى الأرض تقترب منه،وكان هذا هو الشيء المهم. إن الساحر الجيد هو الذي يملك التعاويذ اللازمة لكل ألاعيبه، وهاهو قد بدأ بداية جيدة في هذا المجال، وتملكه السرور وفرح بنفسه كثيراً. لكن ذلك لم يمنع مشاكله القديمة من العودة إلى السطح. كان باستطاعته العودة إلى البيت، لكن بأي ثمن؟ وماذا لو التقى مصادفة برجال الأمن؟ الشرطة؟ الشرطة؟ اللعنة! لكن حتماً... ولمعت الفكرة في ذهنه بسرعة البرق. فأخذ البوق ونفخ اللحن الجميل وعاد رجلاً ناضجاً. وبما أن السحر ألبسه ثوباً واقياً من المطر أيضاً؛ فهو الآن الذي سيلعب دور الشرطي. صعد إلى منزله مضطرب الخطا، خائفاً بعض الشيء. وبعد أن تردَّد قليلاً، دق الجرس، الذي بدا له منخفضاً جداً. وفتح والده الباب: - ماذا؟ من أنت؟ قال التمساح الشجاع: - أنا المفتش "كوديل"-. إنني قادم بشأن ابنك. قال الأب قلقاً، وقد بدا صغير الحجم أمامه: - هاه؟ ما الذي حدث؟ - هل وجدتموه؟ هل حدث له مكروه؟ أضافت الأم، وقد جاءت مسرعة، هي وبناتها، وأبناء وبنات العمومة | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:30 pm | |
| -... هل وجدتموه؟ هل حدث له مكروه؟ كان جهاز التلفاز لا يعمل، لأن العائلة عقدَت اجتماعاً فور عودتها إلى الدار... همس التمساح الشجاع وهو يفقد رباطة جأشه، بسبب النظرات الدرامية التي كان عليه تحمُّلها: - لاشيء... كلا، لم يحدث له شيء خطير؛ كلا، اطمئنوا! لقد وجدنا "العصابة" الآن... إنهم جميعاً في الأسفل... يمكنكم النزول لرؤيتهم...هيّا! واندفع الجميع نحو الدرج: العائلة، والأقارب، وكل سكان البناية فاستغل هو هذه الفرصة ليدخل الشقة وليحبس نفسه في غرفته. وبلا أي تأخير، أخرج بوقه ونفخ فيه بالاتجاه المعاكس. وعاد، من جديد، تلميذ المرحلة المتوسطة البسيط، الذي لم يكف أبداً، في قرارة نفسه، عن الشعور به، وبعثر بعض الدفاتر على مكتبه، وتظاهر بأنه غارق في الدراسة منذ مدة طويلة. ولم تلبث الجلبة أن عادت إلى المنزل. كانوا يصيحون: - لقد وجدوهم جميعهم، نعم، عدا ابننا "جيروم".. - إنه هو أقواهم! - وماذا سنفعل نحن؟ ماذا سيحلّ بنا نحن؟ - هل تعتقدون أن مكروهاً قد حدث له؟ - يجب أن نجد المفتش.. -سوف ينتهي الأمر بهذا الصبي إلى إرساله إلىمدرسة داخلية. - آه، كلا! إن هذا غير ممكن، غير ممكن! - لاشك أنه جرح نفسه. - قد يكون الآن قابعاً في الظلام في مكان ما،وهو ينادينا... - إن هذا فظيع، فظيع جداً. كان "التمساح الشجاع" يستمع إليهم، وهم يذرعون الشقة جيئة وذهاباً، ويندبون حالهم، تسارعت ضربات قلبه، لأنه عرف أنهم يحبونه، وسوف يفتقدونه كثيراً، إذا ما وجب عليه الاختفاء في يوم من الأيام. فتح باب غرفته، وقد استعد لتحمل كل ماقد يحدث له، عن طيب خاطر. - ما الذي يجري هنا؟ -قال ذلك بهدوء كبير، كأن شيئاً لم يكن-متى سنأكل؟ صاح جميع أفرادالعائلة معاً، وقد فوجئوا وتداخل الصوت الخشن بالصوت الناعم.... - "جيييـرووم!"... - طبعاً، نعم..، هذا أنا، لماذا؟! - أين اختفيت؟!!! - ولكن.... في غرفتي! - كيف؟ إننا نبحث عنك في كل مكان مع الجيران! إن عدد الذين اختفوا خمسة. أقصد، أنتم دائماً معاً، هيا، قل لنا كيف عدت؟! - أنا؛ مثل العادة، من الباب، لم أكن مع الآخرين هذا المساء، وكان لهذه الكذبة وقعٌ سيء على الجميع، وشعروا كلهم بعدم الرضى ونظر كل منهم إلى الآخر نظرات يشوبها الشك والدهشة. أيعقل تصديق ألاّ يكون أحد قد فكر بفتح باب غرفة هذا الوحش قبل الذهاب للبحث عنه؟ بدا هذا الأمر جَلَلاً، ومع ذلك كان هذا الوحش هنا، وهاهو خارج من غرفته! لم يقل أحد شيئاً، وقُدِّم العشاء. وحضر الجميع نومه؛ ونظروا إليه وهو يغط في سباته، وعلى شفتيه ابتسامات ناعمة. | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:30 pm | |
| وبينما كان "التمساح الشجاع" يغمض عينيه، وقد دفن رأسه تحت وسادته، وهو يحاول التعرف على الخيالات الحنونة التي كانت تغمر نومه المصطنع- ويحاول البحث عن فكرة رهيبة، وعن لعبة جهنمية يقوم بها، بوساطة بوقه السحري الذي يحسده عليه أصدقاؤه حتماً. ولن يكون ذلك أبعد من الغد على أقصى تقدير!
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:30 pm | |
| الآخرون يعودون أيضاً!
بعدما أصدر "التمساح الشجاع" الأمر بالتفرق، ونفخ في بوقه، جاذباً إليه كل شخص كبير كان يبحث عنهم في غابة "سان أناتول"؛ ركض كل منهم باتجاه ووجدت "فأرة السم" نفسها وحيدة. وفي هذه اللحظة أدركت الوضع الخطير الذي قادهم إليه فضولهم الجماعي. وتصورت أمَّها وقد خرجت للبحث عنها كما في الليلة السابقة، ووالدَها جالساً على كرسيه، عائماً بين سجلات وزارته، منتظراً عودتها. ومتصلاً بالشرطة بعد فقدان الأمل في العثور عليها. فكيف لها أن تعود إلى المنزل غير مبالية لتقول : "كوكو، ها أنذا!".. وللمرة الثانية خلال هذا الأسبوع، ودون خوف، من اللوم أو من محاضرات لا تنتهي، أو من عقاب قاسٍ؟! كان هناك ممر مضيء بمحاذاة الغابة من الجهة اليمنى، وكذلك مجموعة من البيوت الصغيرة على الجهة المقابلة. وتمنت "فأرة السم" ألا يراها أحد، وهي تتحاشى، قدر استطاعتها، سقوط البقع الضوئية عليها من مرآة عاكسة. واستغرقت وقتاً طويلاً للوصول إلى مسكنها. وهناك لم تتجرأ على التقدم مباشرة نحو البوابة، فاستندت إلى أقرب غرفة هاتف، وبدأت تفكر بخطة تنفذها. أخرجت من جيبها المرآة، التي وجدتها في السقيفة وتأملت وجهها الطفولي الحزين على الضوء المنبعث من غرفة الهاتف. آه، نعم! يبدو أنّها وجدت نفسها جد كئيبة، لأنها رسمت وبصعوبة، على شفتيها، ابتسامة خجلى، لتعطي الشجاعة لنفسها قبل مجابهة "العدو". وحدث عندئذٍ أمر عجيب، ما إن ابتسمت حتى اختفت صورتها فجأة من المرآة. وحركت "فأرة السم" الشيء الذي تحمله بكل الاتجاهات، وتأملته من جميع الزوايا، فلم تَرَ فيه سوى الصورة المقلوبة لغرفة الهاتف، وكادت المرآة تقع من بين يديها! في أثناء ذلك، كان شخص ما أو أكثر يقترب على الرصيف، فخافت أن يجدوها في هذا المكان، وفي هذه الساعة من الليل، دون أن تتمكن من إعطاء تفسير أو شرح لذلك. لذا أخفت وجهها بيديها وخلف المرآة. ومع أنّها أحست بهما تماماً؛ إلا أنّها لم تتمكن من رؤيتهما أو من رؤية المرآة! فخفضت رأسها ونظرت إلى قدميها، ولم تشاهدهما، وكذلك رجليها وذراعيها... ومع أنّها كانت هنا، إلا أنّها لم تعد موجودة، ولم تعد ترى نفسها. واقترب الرجل المار بجانبها، وكاد أن يلمسها، لكنه لم يرها! لقد اختفت"فأرة السم" عن الأنظار، بعد أن نظرت في المرآة! ومع ذلك فقد كانت موجودة جسدياً، وتشعر جيداً بقدميها على الأرض، وتحس بالمرآة بين يديها. ببساطة، لم يعد باستطاعة أحد أن يراها. كان هذا كثيراً جداً هذا المساء! ودون أن تنتظر، تقدمت ودفعت بوابة البيت الصغير، وسارت بضع خطوات، سُمِعَ وقعها على الحصى. وصعدت درجات السلم، وفتحت باب البهو، وتقدمت إلى قاعة الاستقبال، دون أن تفكر بما سيحدث لها، بعد ذلك. كانت الغرفة مضاءة إضاءة خافتة، بوساطة مصباح كهربائي محمول على قاعدة. وكانت أمها تجلس على أريكة، ساكنة لا تتحرك، ولم يكن والدها في البيت. صاحت فأرة السم: -ماما؟! انتصبت الأم بغتةً. وصاحت بأعلى صوتها: - "جيرالدين"..! لقد عدتِ أخيراً! لقد أثرتِ أعصابنا، أبوك وأنا: "جيرالدين"؟ أين أنتِ؟ اقتربي قليلاً؟! وراحت الأم تركض في جميع أنحاء المنزل. وخرجت أخيراً إلى الحديقة، وهي تنادي ابنتها وزوجها، الذي عادت معه إلى البهو ورأت "جيرالدين" أنه من المستحسن تركُ هذا المكان، حيث كانت جالسة على كرسي، تفكر في كيفية إعادة صورتها، وفي ما إذا كان ذلك ممكناً. صاح الأب: - جيرالدين"؟... انتهى وقت اللعب. هيا، تعالي... - أظهري نفسك يا "جيرالدين"! قالت فأرة السم: -لكنني هنا! صمت الأبوان وجالا بأبصارهما في أرجاء الغرفة. كانا يعلمان أن الصوت قادم من قاعة الاستقبال، حيث أخذا يفتشان خلف الستائر والأريكة والخزانة... - "جيرالدين"! نحن لن نعاقبك أبداً. أخرجي من مخبئك، ولن نفتح هذا الموضوع ثانية! - هل هذا صحيح؟ | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:30 pm | |
| نعم، صحيح؛ بما أننا نقوله لك، هل من عادتنا الكذب؟ قالت جيرالدين: - كلا، ليس من عادتكما، لكن هذا قد حدث. وتبادل الوالدان نظرة. قالت الأم: - كل الناس يكذبون من وقت لآخر، وأنتِ أيضاً. قالت جيرالدين: - هذا صحيح؟ - قال الأب بصوت هادئ أكثر ومشوب ببعض القلق: - والآن أظهري نفسك. - شعرت "فأرة السم" ببعض الخوف، الخوف من العودة إلى المنزل، والخوف من عدم العودة، والخوف من السحر الذي جعلها... مختلفة، أما الآن، فقد اكتشفت شيئاً آخر، وهو أن الأهل أيضاً، قد يشعرون بالخوف. اعترفت جيرالدين بعد فترة: - إنني لا أستطيع الخروج من مخبئي... - ماذا؟ أين أنت؟ سوف نكسر الباب إذا كنت محبوسة بغير قصد، لكن، على الأقل، قولي لنا أين أنتِ! إننا نسمع صوتك في البهوِ، ومع ذلك فأنتِ لستِ هنا. قالت فأرة السم: - خطأ؛ إنني موجودة هنا! - لكن أين؟ أين؟ أين؟!! - هل تريدون حقاً رؤيتي في الحال! قال الوالدان معاً: - طبعاً! - لماذا تهتمان بي كل هذا الاهتمام وأنا لا أستطيع أن أظهر، بينما لا تفعلان ذلك أبداً، عندما أكون ظاهرة للعيان؟ ومن جديد، تبادل الأبوان نظرة. قال الأب: -عندما لا تريد فتاة صغيرة الظهور، يعتبر هذا وضع غير طبيعي اعترفي بذلك. قالت الفتاة: - إنني أعترف بذلك، إنني أعترف. ثم تابعت، وبصوت أرق: -سوف أخرج من مخبئي بالتأكيد، إذا حضرتما لي طعاماً، وتركتماني وحدي هنا عشر دقائق. قال الأب: -"جيرالدين"... إن وجبة طعامك تنتظرك منذ ثلاث ساعات في المطبخ!... - حسن، إنني أحب أن أتناولها معكما في قاعة الاستقبال. قال الاب: - لقد تناولنا طعامنا وحدنا... - هذا لا يدهشني كثيراً؛ لكنكما تودان تناول شراب ساخن أيضاً. وتبادل الأبوان نظرة ثالثة: قالت الأم: -هيّا، لِنُعِدْ تسخين الطعام كله. وذهبت مع زوجها إلى المطبخ، حيث بدأا يتحدثان بصوت منخفض رددت "فأرة السم" عشرات العبارات السحرية، وهي تنظر إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه المرآة، لكن شيئاً لم يظهر، وحتى المرآة ظلت مختفية. ثم فكرت طويلاً، وأخيراً أتتها فكرة. الفكرة نفسها التي خطرت لـِ "التمساح الشجاع" عندما نفخ في الجهة المعاكسة لبوقة. تيار-تيار معاكس، مرادف -ضد... أدارت المرآة، ونظرت إلى ما افترضت أنه ظهر المرآة... | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:31 pm | |
| وَظَهَرَ "شيء" ثم يداها وذراعاها وجسدها ورجلاها، وأخيراً ظهرت "جيرالدين" بأكملها. تركت كرسيها وذهبت إلى المطبخ، حيث جذبتها إليه محادثة والديها، والرائحة اللذيذة المنبعثة من قدر الطعام. "كوكا كولا" لم تحدث له تلك المشاكل كي يعود إلى منزله، لكنه عانى من مشاكل مختلفة. ومع ذلك، كان هو الذي قام بأحسن حيلة في تلك الأمسية. فبعد أن هرب من دائرة "الخيالة الخامسة" أطلق ساقيه للريح، وقام بعدة جولات حول المدينة، حتى يضيع آثار الأقدام، وصعد إلى منزله دون متاعب. كما في أغلب الأحيان، لم يكن عمه قد عاد بعد، وحتى إلى ساعة متأخرة في هذه الليلة، طبعاً، لن يخلو الأمر من بعض ألسنة السوء التي ستخبره أن ابن أخيه عضو في هذه "الجماعة المخيفة، وسوف يقصون عليه الحكاية بأكملها، "ويا سيدي العزيز، ويا سيدتي العزيزة... هل تدركون مدى خطورة هذه الأعمال في مثل عمرهم؟...". لكن هروبه عندئذٍ سوف يكون قصة من الماضي البعيد. والمهم أن عمه لم يعايش الحدث بنفسه. وضع "كوكا كولا" القنبيط على النار ليسخن، وفي أثناء ذلك أخذ ينظر إلى الجزدان الجميل الذي أخذه من منزل القبيلة. لقد كان مصنوعاً من الجلد الأسود، وله قفل مزدوج من النحاس الذهبي اللامع ويعمل بالضغط. كان جزداناً حقيقياً للنقود القديمة، وهو تحفة نادرة. وكان خفيفاً جداً، ولا يُحِدثُ قفله أيَّ صوت عند فتحه أو إغلاقه: ولكنه كان فارغاً دون شك. وتمنى "كوكا كولا" أن يجد فيه بعض القطع النقدية القديمة، ليتمكن من بيعها لأحد هواة جمع النقود الأثرية! كان الجزدان يتألف من طبقتين منفصلتين مع قفل خاص لكل منهما. وعندما فتح الطبقة الأولى وجد مفاجأة عظيمة عظمة ورقة نقدية من فئة المئة فرنك، وهي التي وجدها بالضبط، ورقة جديدة طواها ووضعها على الطاولة. - يا للحظ السعيد!
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:31 pm | |
| وصار يحاول أن يحصي عدد قطع العلكة وزجاجات الكوكا كولا التي كانت المئة فرنك تمثلها. وكان هذا بالنسبة له صعباً، لأنه لم يكن أبداً لامعاً في مادة الرياضيات، ومع ذلك كان سعيداً جداً، لأن الحظ ابتسم أخيراً لأكثر الناس ضعفاً. وفتح الطبقة الثانية: -هذا مستحيل! وجد ورقة ثانية من فئة المئة فرنك، طواها ووضعها إلى جانب الورقة الأولى، بعد أن خصّها بنظرة حنون تعادل نظرته الأولى. ولم يعرف تماماً عدد العلكة وزجاجات الكوكا كولا التي أصبحت تعادلهما الآن. لكنه اكتفى بالتفكير بأنه يكفيه أن يضاعف نتيجة العملية الأولى ليأخذ فكرة عن الكمية الرائعة التي تمثلها، ابتسم، وبما أن الابتسام لم يعد كافياً؛ أخذ يضحك بصوت عال، وبكل قوته. وأخيراً، وبعد أن هدأت انفعالاته، تحقَّق جيداً من أن المحفظة خالية من أية نقود، ثم أقفلها. لم يكن قد حدث قبل الآن، أن واتاه الحظ وأمسك بورقتي نقد من فئة المئة فرنك بيده، وكانتا ملكه وحده. "أين يخبئهما؟.. في المحفظة نفسها طبعاً! كما يجب أن يخفي هذا الكنز بعيداً عن متناول أعين ويدي عمه" وفتح الطبقة الأولى ليضع ثروته... صُعِق! - لقد وجد ورقة جديدة، نعم، ورقة ثالثة! ثلاثمائة فرنك! تمتم قائلاً دون أن يجرؤ على تصديق ذلك: - حسنٌ، هذه نقود! مئة فرنك لشراء العلكة، ومئة للكوكا كولا، ومئة لشراء ألعاب سحرية ليقتسمها مع أفراد "قبيلة الخمسة". مئة فرنك من الكرات ذات الرائحة الكريهة، والشعر للحكّ، والسائل الجليدي المقرص، ومفرقعات، وبودرة العطس...و.. وكيف له أن يعرف... لننظر قليلاً من الناحية الأخرى... آ آ ا ا ه ه!! ورقة رابعة! كلا، لكن أربعمائة فرنك! وأخذ يضحك، ويضحك! وكان كلما أقفلها وأعاد فتحها وجد أورقاً جديدة! سحر! هذا سحر! ما هذا الاختراع؟! أوه! كيف ستكون تعابير وجوه أصدقائه غداً عندما يخبرهم... كلا، لن يقول شيئاً لأحد. وكدس الأوراق المالية التي حصل عليها بعضها فوق بعض مدة خمس أو عشر دقائق، على أية حال، إنه الوقت الكافي الذي لزم لرائحة القنَّبيط المحروق لتصل إليه وتسحبه من مقعده. - اللعنة! القِدر!.. هذا لا يهم؛ بكل هذه الأموال، أستطيع شراء قدر جديدة آخرى! ورمى بالقدر ومحتوياتها في سلة القاذورات، وعاد إلى جزدانه السحري ناسياً جوعه، ولم تتوقف هذه التحفة الثمينة عن الإنتاج خلال النصف الأول من الليل بأكمله. وكوكا كولا يجمع ويرصف الأوراق، كل عشر منها معاً، ثم أخذ يجمع كل عشر حزم من الأوراق في رزمة واحدة، ويضعها في حقيبة كتبه. لقد أصبح مليونيراً بالفرنكات القديمة، وإذا تمكن من البقاء وحده طوال الليل؛ فسوف يصبح مليونيراً بالفرنكات الجديدة. لكن عمه عاد فجأة. ولم يتمكن كوكا كولا إلا من إخفاء جزدانه، بينما ظلت الأوراق النقدية كلها على الطاولة، ورآها عمه ففتح عينيه مشدوهاً. - إيه! أين وجدت هذا؟ ولم يكن لدى الفتى متسع من الوقت للتفكير، وكان عليه أن يحسن استغلال نباهته، ولم يكن ينوي أن يكشف سره، وبالأحرى لم يعرف كيف يشرح ما حدث، ثم إنه كان من الأفضل له أن يفقد ثروة كبيرة كهذه من أن يفقد "الشيء" الذي أنتج هذه الثروة. أجاب بهدوء مصطنع: -لقد وجدتها في الشارع. - ماذا؟ كيف هذا؟ في الشارع؟! - نعم! - هل فقدها شخص ما؟ | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:31 pm | |
| بكل تأكيد، إنني لا أعتقد انه رماها في صندوق القمامة. وتلمَّس العم كل الأوراق النقدية، وفحصها على ضوء المصباح. - الحق يقال، هذا الشخص ربح الجائزة الكبرى في اليانصيب. قال كوكا كولا بكل عبقرية: - ولمن نعيد المبلغ إذا كنا لا نعلم من الذي فقده؟ وبينما كان العم يخلع معطفه البائس ووشاحه الممزق وجد جواباً مناسباً، وقال أخيراً: - سوف نضع إعلاناً صغيراً في الجريدة المحلية. - ألا تعتقد أنه سوف يكون هناك العديد من "الزبائن"؟ - هم، هم.. هذا صحيح. سوف نأخذ المبلغ ونسلمه للشرطة. - للشرطة؟ -صرخ كوكا كولا- كل هذا المال؟ ولكن هذا سيوقعنا في ورطة كبيرة معهم. قال العم وهو يفتش في المطبخ: - أوه! إنها بالطبع ليست نقوداً مسروقة، أنت تعرف ذلك. - أين القنَّبيط؟ - احترق، في صندوق القمامة! دمدم العم غاضباً: -كيف في صندوق القمامة؟ وهو يضع لنفسه شطيرة من جبنة الكاممبير، وأخذ يأكل وهو يقرأ بعض السجلات التي سقطت من جعبته وتناثرت على الطاولة بين الأوراق المالية، وبعد فترة، نهض وتثاءب ثم قال: - إنني أشعر بالنعاس، لقد تجاوزت الساعة الواحدة صباحاً، كم جمعت من المال؟ - يوجد أكثر من مئة وثلاثين ألف فرنك، من الفرنكات الجديدة طبعاً. - هذه ثروة كبيرة! هل المبلغ كله هنا؟ تردد كوكا كولا قليلاً. - إيه... توجد كمية منه في حقيبة كتبي. لقد فضل أن يعطيه الأوراق النقدية بنفسه، لأنه كان متأكداً من أن عمه سوف يفتش في أغراضه، واحتفظ لنفسه بسر الجزدان السحري الذي يصنعها، هذا إذا أراد ذلك ثانية. ونام تلك الليلة نوماً مضطرباً. وبينما كان "التمساح الشجاع" يحلم في نومه بأنه يقود سيارات كبيرة من النوع الثقيل وقد أصبح رجلاً كبيراً، و "فأرة السم" تحلم بأنها تسترق السمع لتعرف ماذا يقال في اجتماعات مجلس الصف، وهي مختفية عن الأنظار -كان كوكا كولا يحلم بأنه أغنى من "العمّ ذهب" وأذكى منه، وأنه كان مطارداً من عصابات حاولت حتى الآن اغتياله مرتين للحصول على جزدانه العجيب، وسقط مرتين من سريره.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:32 pm | |
| إذا كنتم تعتقدون أن "التمساح الشجاع" و "فأرة السم" و "كوكا كولا" قد قضوا ليلة غير عادية، فانتظروا سماع قصته "الزئبق" كي تتمكنوا من الحكم على الأمر حكماً صحيحاً. نذكر أن "الزئبق" خرج من بيت الغابة وهو يحمل منظاراً وضعه في جيبه، وهرب من الغابة بفضل خدعة "التمساح الشجاع" وركض مسافة عدة مئات من الأمتار، ودار حول البنايات الكبيرة في المدينة، من الناحية الجنوبية، وفضّل العودة عن طريق موقف السيارات الكائن تحت الأرض، خوفاً من أن يكون أحد منتظراً إياه عند المدخل الرئيسي للبناية التي يقطن فيها، وكان على حق. تسلل نحو البناية المجاورة، ومشى بمحاذاة حائط المبنى واختبأ في الظل، عند زاوية الحائط، ثم أخذ يتأمل، من بعيد، المنحدر الذي تدخل منه السيارات القابعة على بعد عشرين متراً، يا للخسارة! كان أسوأ حارس موجوداً هناك، لقد اختار ذلك المكان كي يستنشق الهواء النقي ويدخن غليونه بهدوء، أو أنه بالأحرى جلس هنا يراقب المكان بعد أن اكتشف نوايا هذا الولد المشاغب، يا لظلم القدر! بسبب تأخير بسيط، قاموا بتجنيد كل القوى العاملة سليمة البنية، وسدوا جميع المنافذ، ولماذا أيضاً لم يقوموا بوضع حارس على صهوة جواده أمام كل شجرة من أشجار المتنزه؟ ونظر الزئبق بتمعن إلى البناية (ب)، بنايته التي كانت تنتصب أمامه، وشاهد نافذة غرفة نومه مفتوحة، في الطابق الثاني، وبجوارها نافذة غرفة نوم أهله مضاءة من الداخل، حيث كانت انعكاسات أنوار التلفزيون تتماوج على سقف الغرفة وتداعبه لكن والديه لم يكونا يشاهدان التلفزيون، لأنهما ذهبا للمشاركة في البحث عنه مع الآخرين... ولمعت فكرة في ذهن "الزئبق": بما أن النافذتين كانتا مفتوحتين؛ فلماذا لا يحاول الدخول من إحداهما إلى المنزل؟ إنها، على أية حال، لم تكن عالية جداً! وعند تسلّق الأشجار القريبة... لكن الحارس كان يجلس قريباً جداً من الحائط، ونافذة غرفة والديه تطل على مدخل المرآب تحت الأرضي...
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:32 pm | |
| وأراد الزئبق أن يتأكد من أن المنزل خال من الجميع، فتسلق بهدوء شديد الشجرة، التي يختبئ خلفها من الحارس، متحاشياً تحريك أغصانها وامتطى غصناً كبيراً مواجهاً لنوافذ المنزل، وأخرج منظاره من جيبه، لا شيء أفضل من هذا المنظار في موقف كهذا. وشاهد بوضوح، من مكانه المرتفع، وبفضل منظاره المقرب، شاشة التلفزيون، وتأكد من عدم وجود أي شخص أمامه، كانت الشقة تبدو خالية تماماً. لقد ذهب الجميع ونسوا إطفاء الأنوار، صحّح وضع مفتاح منظاره بحيث تمكن من رؤية شاشة التلفزيون أقرب وأوضح، وفي هذه اللحطة عُرض فيلم دعائي: كان عشرة شبان يضحكون بصوت مرتفع، ويضربون بأيديهم على أردافهم ليثبتوا جودة نوع معين من "الجينز". وفجأة، ودون سابق إنذار، تخطوا الشاشة، وتدافعوا في الغرفة، وانحنوا من النافذة، دون أن يتوقفوا عن الضحك والضجيج. خفض "الزئبق" منظاره وهو لا يصدق عينيه، كانت العصابة لا تزال أمامه وتحدث ضجة كبيرة مالبثت أن لفتت انتباه الحارس الذي وجه إليهم ملاحظات كي يكفوا عن عبثهم في هذا الوقت المتأخر من الليل، فسخروا منه، وتعالى ضجيجهم وحدثت مشاجرات وتبادل شتائم، ودار الحارس حول البناية بقصد الصعود من جهة المدخل الرئيسي للبناية، ولما وصل، قرع الجرس ليستوضح الأمر منهم في الحال. ما إن اختفى الحارس عند زاوية البناء، حتى أنزل الشبان سلماً مصنوعاً من الحبال، ونزلوا عليه وهم يضحكون ويقفزون في المتنزه.... وبقي السلم متدلياً من النافذة على الحائط، ورأى "الزئبق" في هذا إشارة واضحة من القدر؛ فاندفع بسرعة وتسلق السلم بلمح البصر، ودخل إلى غرفته، ثم سحبه إلى الداخل ولفه ووضعه تحت سريره. وما كاد يفرغ من عمله حتى سمع صوت الجرس. وذهب الفتى ليفتح الباب وقد ارتسمت على وجهه علامات البراءة. قال الزئبق بكل احترام: - مساء الخير يا سيد "مطراق"! - مساء الخير أيها الفاسد! وبالمناسبة، هل أنت موجود هنا؟ - طبعاً أنا هنا، يا سيد "مطراق"! - قل لي إذاً، هل هؤلاء الشبان، الذين لا يتوقفون عن التطلع من النافذة ومضايقتي، هم أصدقاؤك، إنني لا أحب ذلك أبداً كما تعلم ! ثم إنهم يسببون جلبة ضخمة، والناس هنا يحتاجون للراحة والهدوء بعد يوم عمل مضنٍ، بينما أولئك الشبان لا يقومون بأي عمل طوال النهار، فتجدهم غير متعبين عند المساء. أين هم؟! - لا يوجد أحد غيري في المنزل، يا سيد "مطراق". - وأهلك؟ - لقد خرجوا، يا سيد "مطراق". - آه، نعم! لقد نسيت... إنهم يبحثون عنك في كل مكان. - ماذا؟ هذا مستحيل! إنني هنا يا سيد "مطراق". كما ترى بعينيك. - إنني أرى بالفعل.... إذاً ما الأمر؟ | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:32 pm | |
| لقد عدت اليوم من المدرسة مبكراً عن العادة، يا سيد "مطراق" - إيـ يـ يـ ـه؟ همـ مـ مـ مـ م! أوووووي! حسناً ليس هذا من شأني، لكن أين اختفى أولئك الشبان؟ - ربما كانوا في الطابق الأعلى، يا سيد "مطراق". - نعم، في الطابق الأعلى... سوف أصعد لأرى. - حظاً سعيداً يا سيد "مطراق"، إلى اللقاء "مطراق" أفندي! أغلق الزئبق باب البيت بلطف شديد. ثم أخذ يقفز فرحاً وهو يفكر في الحارس الذي سيصعد كل طوابق البناية، وسرعان ما نسي أمر الرجل وركض إلى غرفة والديه حيث كان عليه أن يحل اللغز الذي أنقذه. أغلق باب الغرفة خلفه، وجلس مقابل التلفزيون، يحدق إليه. لم يدرك قبل قليل ما حدث، وأراد أن يعرف ماذا وراء هؤلاء الفتيان الذين خرجوا من هذه العلبة، هل كانت رؤيا بسيطة أم هذياناً؟ ولكن لا، السلم، سلم الحبال ! لولاه لما استطاع أن يصعد إلى هنا... آه، ما الذي حدث بالضبط؟ أخرج منظاره، من جديد، من جيب سرواله، وفحصه، ثم رفعه إلى عينيه ونظر إلى الشاشة، التي كانت تعرض أيضاً إعلاناً، وشاهد طباخاً يرتدي زيه الكامل: قبعة وكل شيء، كل شيء، وهو يطبخ على نار خفيفة، في عُشرٍ من الثانية، أطباقاً متنوعة، وذلك بفضل قدر ضاغطة، وهو يثني على ميزاتها، ومن خلال منظاره، رآه "الزئبق" يكبر ويكبر، ثم يخرج من التلفاز وهو يحمل بكلتا يديه طبقاً يحوي قطعة من لحم العجل المشوي، ويضعه على المنضدة، أنزل "الزئبق" منظاره ورأى الطباخ يقف في ركن من أركان الغرفة وهو يبتسم له، وكان اللحم ساخناً.... وكانت بعض القطع قد شُرّحت شرائح ومعدّة على نحو شهي... هم م م.. وتذكَّر أنه لم يأكل بعد، وأنه جائع جداً، انحنى الطباخ أمامه بكل أدب واحترام وطلب منه الإذن بالانصراف. وبعدما حصل عليه خرج إلى بهو البيت ثم إلى الدرج وكأنه يعرف المكان معرفة تامة. بدأ "الزئبق" تناول قطعة من اللحم وهو ينظر إلى التلفاز الذي كان يعرض مجموعة من الألبان بالفاكهة، فسارع إلى وضع منظاره وحصل على مجموعة جميلة منها، وعندما شعر أنه اكتفى أنزل المنظار وحمل غنائمه إلى المطبخ حيث أكل مثل "باشا"، لقد اكتشف المقدرة الخارقة التي يتمتع بها منظاره، دون أن يحاول شرحها لنفسه. وأعتقد أنه ليس عليه أن يشرحها لأي شخص آخر، وكان كل ما عليه أن يمتّع نفسه بهذا السحر وأن يستخدمه جيداً. وبعد قليل، نام في قاعة الاستقبال على مقعد والده. وسرعان ما استيقظ على صوت ضجيج. لقد عاد أهله، وكانوا في غاية الإرهاق والغضب، لأنهم كانوا يبحثون عنه في كل مكان، بينما هو جالس هنا بكل هدوء، وكانوا يتساءلون من أين جاء باللحم والألبان التي كانت تغطي الطاولة. وقرر الزئبق أن يأخذ زمام الأمر؛ فنهض، وبقفزة واحدة وصل إلى مكتب والده، حيث أقفل الباب على نفسه بالمفتاح. | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:33 pm | |
| ومن وراء الباب سمع الوالد والوالدة والجد والجدة والإخوان والأخوات والكلب والجيران والحارس وزوجته، كلهم يصيحون بأعلى أصواتهم، ويطلقون التهديدات التي كانت تتصاعد؛ فمن حرمانه من التحلية (متأخر جداً!) إلى حرمانه من العطلة الصيفية (مبكر جداً!)، وكان "الزئبق" ينظر إلى الباب وينتظر اللحظة التي سينكسر فيها القفل وينصب جام غضبهم عليه. فتراجع إلى الخلف مبتعداً عن الباب حتى لا يقع على رأسه في حال تحطمه. وفي هذه اللحظة شاهد "الإعلان". كان والده، والحق يقال، لا يتعاطى السياسة، ولم يكن ينتمي إلى حزب سياسي معين؛ لكن كانت له أفكاره التي يدافع عنها ولا يأبه لنشرها والجهر بها. وكانت قد جرت في الشهر الماضي انتخابات لتعيين رئيس الجمهورية؛ فاختار الأب مرشحه، وقام بالدعاية له في كل مكان تقريباً، وعلق صورة كبيرة له في صدر مكتبه، وتم انتخاب هذا المرشح بالذات رئيساً للجمهورية، إما بالمصادفة، أو بفضل جهود الوالد... وربما لسبب آخر لا يعلمه.. وهكذا أصبحت صورة هذا المرشح هي صورة رئيس الجمهورية. كان "الزئبق" لا يتعاطى السياسة قط، فهو لا يعرف مثلاً متى خُلع ملك فرنسا، أو أن ذلك قد تم مرات متعددة... ولم يخطر بباله من قبل أن يطلب من رئيس الجمهورية أن ينقذه من ورطة مع والديه، لكن الآن، ونظراً لأهمية الظروف التي يمر بها، والوضع المتوتر الذي يعيشه، فقد كان بوده أن يعرف إذا كان منظاره يملك.. مقدرة سحرية على الإعلانات الانتخابية كالتي يمارسها على الإعلانات التلفزيونية. فأمسك به ورفعه إلى عينيه... وعمل السحر عمله! وكان هذا دليلاً واضحاً وكافياً على أن الإعلان الإنتخابي يعادل دعاية تلفزيونية جيدة. وأخذ المرشح الذي صار رئيساً للجمهورية يتحرّك ويبتسم وقد عادت إليه الحياة.... ثم خرج من الصورة، وأخذ شكله الطبيعي في غرفة المكتب. ووقع "الزئبق" فريسة شعوره بالضيق والحرج من الضجة التي كانت تصدر من الغرفة المجاورة. - هم م م. قال ببساطة. - يا صديقي الصغير - قال الرئيس بصوت دافئ- من الأفضل أن نفتح باب المكتب، وإذا اقتصر الأمر على مطالبة بسيطة فسوف نقوم باللازم. فتح "الزئبق" الباب، فاندفع إلى المكتب عشرات الأشخاص ، ووقع بعضهم فوق بعض، وفي خضم هذه المعمعة، سمعت تصّرفات وتساؤلات عديدة حول الشخص الموجود إلى جانب "الزئبق" وأخيراً، نهض الجميع بسكون وتثاقل، والدهشة تملأ نفوسهم. - لقد كنا في اجتماع، قال الزئبق بصوت مرتفع. وسمعت بعض الهمسات؛ فقد تعرَّفوا إلى الرئيس، لأنهم كانوا قد شاهدوا صوره، على شاشة التلفزيون وجدران المدينة، والحملة الانتخابية لا تزال حية في أذهانهم، والأغرب من ذلك أن الرئيس بدا وكأنه يعرف والد "الزئبق" معرفة جيدة؛ مما أعطى لهذا الرجل الشجاع شهرة ودعاية كبيرتين خدمتاه طويلاً، بعد زوال المفعول السحري. ودعي الرئيس لتناول طعام العشاء، ولم يجرؤ أحد على سؤاله عن سبب قدومه إلى هنا. وفشلت والدة "الزئبق" في إعداد أي طبق، وهدرت بذلك أموالاً كثيرة مما أدى إلى انهيار أعصابها: فاضطروا لحبسها في غرفة صغيرة بعيداً عن الرئيس. وشعر "الزئبق" أنه انتقم لنفسه، وبدا مثل سيِّد كبير، ثم اختفى لحظات معدودات في غرفة أهله، حيث استغل عرض آخر الأفلام الدعائية لهذا اليوم، وأخرج منها ما يكفي لإطعام مجلس الوزارء بأكمله، وكل ذلك بفضل منظاره العجيب. يبدو أن الإعلانات التلفزيونية تهتم كثيراً جداً بالطعام!
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:33 pm | |
| عينا السيدة «بلوشون» المستديرتان
لم تأخذ "الريشة السريعة" أي شيء من السقيفة معها، وهكذا لم يكن بحوزتها أي سحر عندما كان عليها مواجهة قوات "الخيالة الخامسة" ولكن يمامة بيضاء رافقتها طول الطريق، ولا يعرف أحد من أين جاءت أو من أي قفص طارت، وسارت وحيدة بعد أن فرّ أصدقاؤها واختفوا. استطاع العدو اكتشاف "الريشة السريعة" فوراً، بعد ابتعاده عن "التمساح الشجاع"، وتعرفوا عليها بسرعة كبيرة لأنها لم تكن تملك شارباً ولا تتمتع بموهبة الاختفاء؛ فأحاطوا بها وأوقفوها. وعند طرف الغابة، في الليل المظلم، انطلقت الأسئلة من كل ناحية كالصواريخ. - "ساندرين"! ماذا تفعلين هنا؟ - لِمَ لم تعودي إلى البيت في الوقت المحدد؟ - أين الآخرون؟ - كم كان عددكم؟ - ماذا كنتم تفعلون خلال هذا الوقت؟ - متى ستنتهي هذه المهازل؟ - ألا تدركون أنكم تبالغون كثيراً معنا هذه الأيام؟ - هل يجب أن نحبسكم؟ - أهذا ما تريدونه؟ - إنكم محظوظون جداً، هل تعتقدون أنه كان بإمكاننا أن نفعل ما تفعلونه الآن عندما كنا بمثل عمركم؟ - وما الذي ستخترعونه غداً؟ - والدروس؟ هل أنا التي سأدرسها عنكم؟ لم يكن باستطاعة "الريشة الخفيفة" الرد على هذه الأسئلة، لأنهم وعلى أية حال، لم يتركوا لها فرصة للكلام، ثم إن الإجابات التي كانت ستعطيها ستزيد الأمر سوءاً. وما لبثوا أن أمسكوا بها، وراحوا يشدّونها ويتنازعونها، ويدفعون بها، وحاولت، دون جدوى، في أثناء هذا الهياج أن تجد عذراً مقنعاً أو سبباً كافياً لتبرير تأخرها، خاصة وأنها أقسمت على كتمان السر حول نشاطات "قبيلة الخمسة". وبعد أن كانت الحمامة قد هربت عند قدوم الزمرة المتوحشة، عادت تحوم حول "الريشة السريعة". ورأتها السجينة المسكينة. صاحت الريشة السريعة دون أن يسمعها أحد: - آه، يا حمامتي! فحطَّت الحمامة على كتفها، وكان الفريق الهائج قد وصل إلى وادٍ مضيء، فشاهدها الجميع. - حمامة! من أين أتت؟ - هل هي لك؟ - أين وجدتها؟ - ياه، ما أجمل هذا الطير؟. وتوقفت فرقة الخيالة، وقد أغشى الطائر البديع عيونهم، ونسوا تقريباً الفتاة الصغيرة وعودتها المتأخرة، وحاول كل منهم تناول الحمامة أو مداعبتها أو التحدث إليها أو إمساكها أو إيقافها على أصابعه؛ ولكنها في كل مرة كانت تهرب وتعود لتقف من جديد على كتف أو رأس أو سبابة "الريشة السريعة". وهكذا تحولت المعركة إلى عيد كبير، وعاد الجميع إلى المدينة، دون أن يفكر أحدهم بالأسباب التي دفعتهم إلى الذهاب إلى الغابة. صعدت "ساندرين": "الريشة السريعة" إلى منزلها، ترافقها الحمامة التي قررت الإقامة على زاوية مائدة الطعام، وكان هديلها الجميل واصطفاق جناحيها وقفزها من مكان إلى آخر، يستأثر بألباب واهتمام العائلة بأكملها. وبينما كان الأهل والإخوان والأخوات يلعبون مع الطائر حضرت "الريشة السريعة" الطعام لنفسها، وأكلت بنهم، وشاهدت التلفزيون حتى آخر نهاية الإرسال، ثم ذهبت لتنام، ولم يكلمها أحد بعد ذلك أو يسألها عن سبب فرارها. | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: القصص العالمية الأحد سبتمبر 30, 2007 11:33 pm | |
| وبدا جلياً أن الجميع قد نسوا هذا الموضوع. كان اليوم التالي يوماً عادياً في المجمع الدراسي "كورنتين -كلايبون" وعندما انتشر التلاميذ في ساحة المدرسة، قبل دروس الفترة الصباحية، اجتمع أفراد "قبيلة الخمسة" في ركنهم الصغير المفضل، بعيداً عن أعين وآذان الفضوليين، ثمّ لاذوا بالصمت إزاء أحداث الليلة الماضية، و اكتشافاتهم السحرية وعودتهم غير المألوفة؛ وذلك لأنهم لم يتجرؤوا على الحديث عنها، ولم يتصور أي منهم أن السحر الذي ساعده قد امتد ليشمل رفاقه الآخرين، واعتقد أنه الوحيد الذي يملك قوة سحرية فريدة في نوعها، وإن بقي مصدرها مبهماً عليه، ولم يرَ أنه من الضروري كشفها للآخرين، خوفاً من أن يسخروا منه أو أن لا يصدقوه. دخلوا الصف وبعضهم يتغامز مع بعضهم الآخر، وقد قرر كلٌّ منهم، في قرارة نفسه، أن يستعمل سحره، وأن يكشف عنه لرفاقه لاحقاً، بعد أن يكون قد أثبت مفعوله. ونتيجة هذا الالتباس، فقد أجمعوا، دون قصد، على ضحية بريئة واحدة هي السيدة "بلوشون"، التي كان عليها أن تفتح عينيها إلى أقصى مدى حيث بدتا كصحون صغيرة، وأن تتساءل مرات عديدة طوال هذا الصباح عما إذا كانت قد فقدت عقلها فعلاً؛ وذلك لأن كل الألاعيب التي ابتدعوها كانت لشدة إدهاشها تؤدي حتماً إلى مثل هذه النتيجة. بدأت الأحداث بلعبة من "فأرة السم"، عندما طلبت منها المعلمة أن تسمّع درسها، واكتشفت هذه الأخيرة أن الفأرة ليست في الفصل، فقد كان مقعدها في الصف الثاني خالياً، ثم اتضح أن هذا غير صحيح، لأن "فأرة السم" كانت تلقي قصيدتها من مكان ما من الفصل، دون أن يتمكن أحد من تحديده بالضبط، وعندما انتهت من إنشادها شوهدت واقفة أمام السبورة تبتسم وهي تنتظر الحصول على درجة جيدة. لقد أسمعت الدرس دون أدنى خطأ، لكن السيدة "بلوشون" كانت قد فقدت صوتها، وعادت "فأرة السم" إلى مقعدها، وتعثرت في طريقها بين المقاعد بحقائب التلاميذ المرمية على الأرض، ووقعت، وعندما حاولوا مساعدتها على النهوض لم يجدوها، ونادتها المعلمة التي بدأت تستعيد شيئاً فشيئاً صوتها عدة مرات، ففتح باب الصف، ودخلت "فأرة السم" وهي تتمتم بضع كلمات تعتذر بها عن تأخرها! وجلست أخيراً في مكانها ولم تتحرك بعد ذلك. رفعت السيدة "بلوشون" رأسها، ووجدت أن الطقس حار؛ فأعطت إشارة لفتح النافذة، ولكن هذا لم يصلح الموقف إذ أخرج "الزئبق" من جيبه منظاره، وأخذ يراقب الطريق. وعندما أرادات المعلمة أن تصادره، سُمِعت في الخارج صيحات ومناقشات حادة، وانتهى الأمر بجلبة شديدة، فاندفع التلاميذ إلى النافذة، واستطاعت المعلمة بعد جهد كبير، أن تلقى نظرة "ضرورية" على الشارع، من فوق أكتاف الجميع. كان الجدار المواجه للمدرسة مغطى بالإعلانات الدعائية وأصبح مكانها الآن عبارة عن حفر كبيرة تخرج منها إلى الطريق أنواع متعددة من الشخصيات تنبع من الإعلانات التي كانت ملصقة عليه. فهذا نوع من عصير الفاكهة الغريبة، يستحضر بالصور مباهج حمّامات البحر، ويرمي في الشارع "مجموعة صناعية" من النساء اللواتي يرتدين "مايوه البيكيني" والنظارات الشمسية، من ذوات الابتسامات الحارة واللون البرونزي، وهن يشربن عصير الفاكهة بوساطة المصّاصة/ قشة المص/. وما كنّ ليصدرن هذه الضجة الكبيرة لولا أن إعلاناً مجاوراً تحرر في اللحظة ذاتها مطلقاً حشداً فوضوياً من ميكانيكي السيارات الفخمة، مكلّفاً بتعريف المارة على نوع من زيوت السيارات ذي مواصفات فريدة في نوعها، وقاموا، فعلاً؛ بصب محتويات الصفائح التي يحملونها على قارعة الطريق، مما أدى إلى انزلاق النساء "بالبيكيني" وارتفاع الصيحات والمناقشات التي لفتت انتباه الصف ومعلمته. كانت هناك إعلانات أخرى. وقع نظر "الزئبق" الحاد على إعلان لنوع من الأجبان، معروض مع مجموعة فلاحين يرافقهم قطيع من الأبقار، وجاء هذا الجمع البديع لينضم إلى الجمهرة، وطغى خوار البقرات ورنين أجراسها على جميع الأصوات الأخرى، بينما كان الجميع يلوصون، بمرح، بالزيت اللزج، وينزلقون عليه بأيديهم وأرجلهم أو على ظهورهم، وهم يحاولون بيأس التمسك بمقاعد جلدية كان بعضهم قد انتزعها من إعلان "كل شيء للمنزل!" | |
|
| |
| القصص العالمية | |
|