| دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:13 pm | |
| فازدرد كيلتي ريقه ثم تنحنح قائلاً بصوت متردد : " كان شيئاً أنا بحاجة إليه ...." كان في صوته توجس مما عسى أن تكون ردة فعل ستروم لهذا ما جعل نيرن تشعر بالألم لأجله وأرادت أن تقول شيئاً ولكن راعها أن انفجر ستروم يقول بخشونة : " شيء أنت بحاجة إليه؟ انك غير مدمن على المخدرات أليس كذلك يا فتى؟ " فاتسعت عينا الغلام وحملق في ستروم لحظات وكأنه لم يفهم ، ليصرخ بعدها بصوت يختنق بالألم وكأن ستروم وجه إليه ضربة : " كلا ... هذا غير صحيح طبعاً لا ... هذا غير ممكن .. كيف أمكنك أن تفكر ...." وانطلق خارجاً وتنورته تموج حول ركبتيه متجهاً نحو الباب وعندما مر بنيرن لمحت هذه التعاسة على ملامحه ولكن قبل أن تتحرك كان قد خرج صافقاً باب المطبخ خلفه . واستدارت إلى ستروم وعلى شفتيها كلمات اللوم ولكن الكلمات لم تنطلق وهي ترى وجهه الشاحب . كان واقفاً يحدق في الباب المغلق وكأن الحياة سلبت منه ليرفع بعد ذلك قبضته يضرب الجدار بجانبه وهو يقول بمرارة وخيبة : " لقد أفسدت كل شيء أليس كذلك؟ " وكانت لهجته تنطق بالازدراء لنفسه وتابع يقول : " الأفضل أن أتبعه لأصلح الأمر قبل أن يخرج ...." ولكنها أمسكت بذراعه وهو يتجه نحو الباب وهي تقول : " كلا أنه لن يشكر لك اللحاق به خاصة أثناء الشعور الذي يتملكه الآن . انك آذيت شعوره إلى درجة بالغة ذلك أنه كان دوماً غلاماً مستقيماً ، انتظر إلى الليل وهو سيراجع نفسه وعندها سيدرك أن تدخلك في أمره هو شيء طبيعي تبعاً لهذه الظروف . " فقال : " ربما أنتِ على حق ولكن إذا لم يكن ثمة مخدرات في الموضوع فما الذي دعاه إلى إنفاق كل ذلك المبلغ؟ " فنظرت إليه ، إلى الحيرة البالغة في ملامحه ولكن لتلمح شيئاً آخر .. شيئاً لم تستطع فهمه .. وفجأة شعرت بأنها نالت الكفاية . إنها لن تستطيع الاحتمال أكثر من ذلك وهي ترى هذا التفاعل الغريب بين هذين الشخصين دون أن تفقه السبب ثم إن البيت بيتها وكيلتي أصبح في وصايتها فهذا الأمر يهمها الآن سواء شاءت أم أبت . وعقدت ذراعيها أمام صدرها ثم تنفست بعمق قبل أن تقول : " ستروم إنني عادة لا أتدخل في شؤون الآخرين ولكنني أريد أن أعلم سبب حضورك إلى هذه القرية ولا أدري ما هي العلاقة التي بينك وبين كيلتي ، أتراك تكرهه؟ " وسكتت وهي تراه يتحول نحو النافذة يحدق منها صامتاً كما سبق وفعل في منزل آني في غرفة كيلتي ولكنها هذه المرة وقفت تنتظر جوابه . وكأنه أحس بعنادها فالتفت إليها وقد بان الإرهاق على وجهه وقال : " انكِ مخطئة فأنا لا أكره الغلام ........" فقالت : " ولكن هنالك شيء ما وفي اليوم الذي التقينا فيه لأول مرة وكان ذلك في المقبرة وكنت أنت واقفاً أمام قبر هازيل ، لقد سألتك عندها إن كان سبق لك معرفة هاز ...... " فقاطعها قائلاً : " وأجبتك بأنني مهتم بالمقابر القديمة . " فقالت : " نعم ولكنك لم تجب عن سؤالي ذاك . " فأجاب : " هذا صحيح فأنا لم أجب عنه . " فقالت : " وإذا سألتك الآن فهل ستعلمني بالحقيقة؟ " فأغمض عينيه لحظة طويلة ثم فتحهما ليحدق فيها بثبات ثم قال : " نعم إذا سألتني" فسألته بلطف : " هل سبق لك معرفة هازيل دنبار؟ " فأجاب : " كلا ، أنا لم أعرف هازيل دنبار . " كان يبدو عليه أنه يقول الحقيقة ولكنها أحست أن الأمر لم ينته هنا ، ذلك أن الكآبة احتلت عينيه إلى حد اهتز له قلبها وأدركت أنه على وشك إخبارها بالحقيقة فانتظرت وعاد هو يكرر قوله : " إنني لم أعرف هازيل دنبار لأنني عرفتها قبل أن تتزوج وكان اسمها هو هازيل ليندساي ..." فقالت : " نعم كان اسمها كذلك ولكن لماذا لم تخبرني في المقبرة بسابق معرفتك بها؟ ولماذا تجعله سراً؟ إنني لا أفهم . " فأجاب : " وكيف لكِ أن تفهمي؟ أنه سر أردت أن أحتفظ به ولكن بما أنكِ ستكونين الوصية على كيلتي فسأكاشفك به على أن تقسمي بكتمانه . " فأجابت بفتور : " إنني أقسم ..... ولكن ...." فقال : " لقد كنا أنا و هازيل ليندساي متحابين قبل أن تتزوج . " وتابع متجاهلاً شهقة عدم تصديق صدرت عن نيرن : " أما سومرليد دنبار فهو ابني ." سومرليد دنبار هـــو ابنــي. بقيت هذه الكلمات تتردد في أذني نيرن بقية الصباح وهي تقوم بأعمالها المنزلية دون أن تستطيع التخلص منها وهذا أصابها بصداع جعلها تشعر بضرورة الخروج للتمشي قليلاً عسى أن تتحسن حالها. كان الجو صحواً ، إلى إنذار بسقوط قريب للثلج فخرجت من منزلها بعد أن صفرت للكلب شادو ومن ثم اتخذت الطريق العام للتمشي. مشت بسرعة علها تتخلص بذلك من كلمات ستروم التي لم تستطع التخلص منها ما منعها من التملي من جمال ما يحيط بها من مناظر طبيعية.
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:14 pm | |
| لقد كان ستروم معها في كل خطوة تخطوها رغم أنه سبق وخرج في سيارته المرسيدس إلى حيث لا تعلم . وشعرت بالندم لعدم إلحاحها عليه قبل خروجه لاطلاعها على المزيد . لقد كانت بحاجة إلى إيضاح ما سمعت والذي لم تكد تصدقه فقد كانت هازيل صديقتها لسنوات طويلة كانت تظن أنها تعرف هازيل تماماً ولكن تلك المرأة السمراء الجميلة كانت تعيش طوال أربعة عشر عاماً ، هذا إذا كان ما قاله ستروم صحيحاً ، كانت تعيش في الكذب ذلك أن هوغ لم يكن والد كيلتي . كما أن والد كيلتي الحقيقي قد عاد الآن .... ولكن لماذا الآن؟ ولماذا لم يساند هازيل أثناء حملها؟ لماذا لم يتزوجها؟ لماذا؟ وتنهدت نيرن .. ما أكثرها من أسئلة ولكن الماضي هو الماضي و ها أن ستروم قد عاد ... ولعل السبب الوحيد لذلك هو أنه ... أنه يريد الغلام .... وهي أيضاً تريد رعاية الغلام وقد علمت الليلة الماضية دون أدنى شك أن كيلتي كان سعيداً لهذه الفكرة ولكنه لم يكن يعلم أن هذا الرجل الغريب هو أبوه فما الذي سيقوم به عندما يعلم؟ وخامرها شعور بأنه مهما كان الحل لهذه المشكلة فان هناك شخصاً سيتألم في النهاية . وأجفلت عندما شعرت بالصداع عندها يتزايد بدلاً من أن يخف وأنه كان من الأفضل لها لو أنها تناولت قرصين من الأسبيرين ولجأت ساعة إلى الفراش . وهكذا ، نادت الكلب ومن ثم استدارت عائدة إلى البيت وعندما وصلت إلى البوابة الخارجية لمحت ساعي البريد ماراً على دراجته فابتسمت له محيية وهي تقول : " انه يوم جميل . " فأجاب : " نعم يا نيرن ، رغم سقوط الثلج فوق جبل سلاغمهور . " وتباطأ وهو يقترب منها ليقول : " ليس ثمة شيء في البريد لأجلك إنني دوماًً أقول ان ليس هناك خبراً جيداً ." وضحك مبتعداً وهو يرفع يده بالتحية . ورفعت نيرن بصرها إلى قمة جبل سلاغمهور المشرف على نزل برواش نعم لقد كان ساعي البريد على حق فقد كان الثلج يكسو التلال كما أن قمة هذا الجبل بدت من الجمال بحيث لم تلحظ مثله من قبل. وعندما دخلت المنزل لاحظت أن صداعها قد خف الآن وفكرت بأن ما تحتاج إليه هو كوب من شاي . ولكنها ما أن اتجهت إلى المطبخ حتى تعالى رنين جرس الهاتف فأسرعت إليه . وما أن أمسكت بالسماعة حتى سمعت حركة عند الباب لا بد أنه ستروم أو كيلتي وتناهى إلى مسامعها صوت كيلا في الهاتف : " نيرن هل كيلتي عندكِ؟ " فأجابت : " لحظة واحدة ." ذلك أنها سمعت مقبض الباب يدور ليظهر ستروم من الباب . فهزت رأسها له بالتحية وعادت تجيب كيلا : " آسفة يا كيلا لتأخري بالجواب لأن ستروم دخل الآن ولكن لماذا تسألينني عن كيلتي؟ " فأجابت هذه : " لأنه لم يكن في المدرسة هذا النهار . " فهتفت نيرن : " لم يكن في المدرسة هذا النهار؟ " أجابت كيلا : " لقد جاء ابني كيفين الآن لتناول الغداء وقال انه عندما ذهب إلى المدرسة هذا الصباح تقابل مع كيلتي الذي قال له إن الحياة لم تعد تحتمل هذه الأيام وانه يشعر بالغثيان من هذه البلدة فهو سيغادرها . " فقالت نيرن بضعف : " يغادرها؟ أتعنين انه هرب؟ " ونظرت بحركة آلية إلى ستروم الذي كان يعلق سترته الجلدية في الخزانة والذي تجمد للحظة لدى سماعه كلماتها ثم أدار رأسه ينظر إليها ذاهلاً. وقالت تكلم كيلا : " هل ذكر شيئاً عن مكان ذهابه؟ " فأجابت : " كلا ، ولكن كيفين تبع كيلتي مسافة قليلة . انه لم يتبع الطريق الرئيسي الذي يقود إلى المدينة ..... لقد ذهب إلى الطريق المؤدي إلى جبل سلاغمهور . " فهتفت نيرن شاعرة بالجليد يغلف قلبها : " سلاغمهور؟ أتعنين انه ذهب متسلقاً الجبل؟ " فأجابت : " أظن ذلك . آه كم أتمنى لو كان آدم زوجي هنا، فهو يعرف طرقات الجبل تماماً وبإمكانه أن يلحق به ... ولكنه لن يعود من ادنبره قبل الغد . " فقالت نيرن شاعرة بالشحوب يسود وجهها : " آه إن البرد سيشتد هناك مع كل ذلك الثلج .. وأنتِ تعرفين أنه لا يرتدي شيئاً عدا تلك التنورة ما الذي أستطيع فعله؟ . " ولم تكمل كلامها لأن ستروم عبر الصالة مسرعاً ليأخذ السماعة من يدها ويتحدث فيها قائلاً : " ليس عليكِ أن تقلقي بشأن الغلام يا سيدة كارفي ستتصل بك نيرن تطمئنك في اللحظة التي أجده أنا فيها. " وعندما أعاد السماعة إلى موضعها ، أدركت نيرن أنها كانت ترتجف . وكان السبب عدا هرب كيلتي هو شخصية ستروم المسيطرة وغلى الغضب في داخلها فوقفت تحدق به وهي تسأله بكلمات تغلي بالغضب والاتهام : " ما الذي تقوم به؟ بأي حق تنتزع من يدي الهاتف فتقطع علينا هذه المحادثة الخاصة عن ....." ولكنها سرعان ما سكتت وهي تدرك أنه ربما يملك من الحق بالنسبة إلى كيلتي أكثر مما تتصور ..... فقد كان والد الغلام .. وكانت في فورة غضبها قد نسيت هذه الحقيقة ذلك أنه الوحيد الذي له الحق في الاهتمام والتصرف بشأن كيلتي . وقالت : " إنني آسفة لم أكن أعني أن ..." فقاطعها : " لا بأس ... أتظنينه ذهب متسلقاً ذلك الجبل؟ حدثيني عنه؟ " فأجابت : " انه الجبل الذي تراه من نافذة غرفة نومك وتسلقه حسن جداً أثناء فصل الصيف وكيلتي يحبه وقد اعتاد أن يحمل آلة التصوير وزاداً من الطعام ليمضي أياماً في الجبل يأخذ الصور الفوتوغرافية . " فقاطعها بخشونة : " ولكن الآن ليس وقت الصيف انه منتصف الشتاء ، سألحق به." فقالت : " ولكنك لا تعرف الطريق ..... " فقال : " إن هنالك الإشارات على الطريق أليس كذلك؟ إنني سأجده . " فقالت : " سآتي معك . " فأجاب : " كلا . "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:14 pm | |
| فقالت : " لن تستطيع منعي . " لقد فارقها الذعر الذي كانت تشعر به منذ لحظات وتابعت تقول : " إنني سأساعدك لأنني أعرف الجبل جيداً منذ كنت طفلة . وإذا كان هناك فأنا أعرف أين يكون . إن هنالك أكواخاً تبنى عادة لمتسلقي الجبال ليلجئوا إليها .... " فقاطعها : " إنني أعرف تلك الأكواخ . صحيح أنني ربيب المدن ولكن هذا لا يجعلني طفلاً هشاً . " وسكت لحظة ، ثم عاد يقول : " آسف ربما كنتِ أنتِ على حق إن أحداً لن يستفيد بشيء إذا أنا ضيعت طريقي . " فقالت : " إننا بحاجة إلى أخذ بعض الأشياء معنا ، مثل ملابس دافئة لكيلتي وبعض الإسعافات الأولية وأكياس للنوم فيما لو لم نستطع العودة قبل هبوط الظلام ، إنني سأجهز كيسين نحملهما . " ونظرت إلى حذاء ستروم الأنيق اللامع قائلة : " لا يمكن أن تتسلق الجبل بهذا الحذاء فإذا شئت هنالك أحذية الفتيان العالية يمكنك أن تنتعل واحداً منها . " فسألها : " كم سيأخذ تجهيز كل ذلك من الوقت؟ " فأجابت : " ربع ساعة ، سأتصل بالشرطة أولاً لأعلمها بما حدث إذ ربما اتصلوا إذا لزم الأمر بغرفة الإنقاذ المختصة بالجبل في قرية غلينكريغ مهما كان ، فعليهم أن يعرفوا أننا سنتسلق الجبل بحثاً عن كيلتي . " فقال : " سأتصل أنا ، ما هو الرقم؟ " فأجابت : " يوجد في المطبخ قائمة بالأرقام قرب الهاتف . " وقبل أن تنهي كلامها كان هو قد أصبح في المطبخ ، واندفعت هي صاعدة السلم . لو أن زوج أختها كان هنا وهو الذي سبق له تسلق الجبل عدة مرات ، إذن لشعرت بثقة أكبر في الذهاب معه . أما ستروم صحيح أنه بالغ التصميم والقلق إلا أنه ربيب المدينة على كل حال وقد يكون إعاقة لها بدلاً من أن يكون مصدر عون . وفي غرفتها ، ارتدت أكثر ثيابها دفئاً وبينما كانت تفعل ذلك ، تمثلت أمام مخيلتها صورة كيلتي يرتجف برداً بتنورته وقميصه المقفول وساقيه العاريتين ... وأخذت تخرج ثيابها الصوفية وهي ترتجف من الانفعال ، إن عليهما أن يعثرا على كيلتي قبل حلول الظلام . فالجبال قاسية جداً نحو أولئك الذين لا يقدرونها حق قدرها ..
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:14 pm | |
| الفصــــــــــل الثامن
وضعت نيرن حملها على جانب من الطريق وهي تقول : " فلنقف هنا لحظة نأخذ فيها أنفاسنا . " ووضع ستروم حمله بدوره ، ثم أجال بصره في ما حوله وهو يقول : " ما أجملها من بلاد . " فأجابت : " نعم ، إن اسكتلندا هي من أجمل بلاد العالم . " فنظر إليها قائلاً : " يبدو انك متأكدة من ذلك . " وكان في لهجته شيء من التهكم وهو يقول : " لقد سبق ورأيتِ شيئاً من العالم أليس كذلك؟ إذ لا بد أن قراركِ هذا مبني على أساس متين . " فأجابت : " كلا لم أسافر كثيراً لقد ذهبت من قبل سائحة في الباص إلى القارة الأوروبية مع والديّ وذلك منذ سنوات وهذا كل شيء . " فقال بدهشة : " أهذا كل شيء؟ ألا تحبين الأسفار؟ " فهزت كتفيها . إن بإمكانها أن تخبره بالحقيقة ولكن ذلك كان يبدو وكأنها تخون ذكرى روري .. فقد كانت تحب الأسفار وكانت تحلم دوماً بسفر معه إلى المناطق الاستوائية حيث الشمس الدافئة وحيث النخيل والطيور الغريبة وأنواع الزهور التي لم ترها من قبل .... ولكن روري كان يقول انه لا يشعر بالراحة في مثل تلك الأماكن ... وكان يضيف مازحاً إن في اسكتلندا كثيراً من الأماكن لم يرها بعد ويريد أن يراها قبل أن يموت . وهكذا زارا الكثير من الأماكن معاً وان لم يكن كلها قبل أن يموت . وعاد ستروم يسألها : " أظنك سافرت كثيراً؟ " فأجابت : " نعم سافرت ولكن ليس كثيراً . " وبوقوفهما هذا شعرت نيرن بمبلغ برودة الهواء ، لقد مضت عليهما أكثر من ساعة وهما يسيران متسلقين دون توقف ورأت وهي تتطلع حولها انهما سيصلان إلى مواقع الثلج بعد ثلث ساعة أو نحو ذلك وحتى الآن لم يبد أثر لكيلتي ولكنهما سرعان ما سيكون بإمكانهما أن يشاهدا آثار قدميه على الثلج حين وصولهما .. هذا إذا كان قد سبق وسلك هذا الطريق ولكن كان عليه أن يسلك هذا الطريق ولا بد أن يعثرا عليه في أول كوخ يصلان إليه بعد حوالي نصف ساعة . ولم تشأ التفكير في شيء تكرهه .. وحولت أفكارها إلى ناحية أخرى فقالت : " عندما قلت منذ لحظة أن المناظر كانت رائعة كان في صوتك شيء ما .... آه ربما كنت أتخيل ذلك ولكنه بدا لي وكأن لديك علاقة ما بهذه البلاد لقد كنت أخبرتني انك مولود في مانشستر ولكن اسمك هذا ( ستروم غالبريث ) هو إسكتلندي ولا بد انك إسكتلندي جزئياً على الأقل . " فأجاب : " إنني لست إسكتلندي جزئياً وإنما مئة بالمئة ورغم إنني مولود في انكلترا ، فان أبي وأمي إسكتلنديان وبلد أمي يدعى ستروم كما اعتقد. " فحملقت نيرن به وهي تقول : " كما تعتقد؟ ألا تعلم حقيقة؟ " فأجاب : " لقد هجرت أمي أبي منذ ولادتي ، تاركة إياي معه وهو لم يتحدث عنها قط وقد تعلمت أن لا ألفظ اسمها أمامه وقد توفي عندما كنت في العشرين من عمري ولكن منذ وعيت على الحياة غرس في نفسي عقيدته في أن النساء لا أمان لهن . " وضحك بمرارة وهو يتابع : " ولماذا لا اصدقه؟ لقد كان البرهان موجوداً .. فقد هجرتني أمي نفسها ...." وهنا ، تذكرت نيرن الأسى الذي بدا عليه عندما سبق وسألته في المطعم عما إذا كانت أمه علمته أن لا يكون مغروراً . ذلك أن أمه لم تكن معه لتعلمه شيئاً ولكن غيابها هذا علمه شيئاً ... شيئاً أوجد لديه هذه النظرة العدائية نحو النساء ، جميع النساء . وكان هو يتابع كلامه بمرارة : " والوقت الوحيد الذي تخليت فيه عن الحذر هو الوقت الذي صممت فيه على الثقة ...." وسكت فجأة ولكنه لم يكن بحاجة لقول المزيد إذ لا بد أنه كان يعني بذلك علاقته بهازيل وهل هذا هو السبب في حضوره أخيراً للمطالبة بابنه؟ أتراه أدرك أخيراً أنه إذا هو لم يطالب به فانه سيكون قد ارتكب نفس ذنب أمه التي هجرته وليداً؟ وقالت : " بالنسبة إلى كيلتي ما الذي ستفعله بشأنه؟ هل سيسافر معك؟ أم انك ستضعه في مدرسة داخلية؟ " كانت تتكلم دون أن تنظر إليه . لم تكن تريده أن يرى الدموع في عينيها ولكنها عندما لم تسمع منه جواباً ، غالبت دموعها والتفتت تنظر إليه ولكنه لم يكن ينظر إليها كان يحدق في الوادي وكأنه منحوتة في جانب الجبل ، ما عدا خصلة من شعره الأسود كانت تتطاير فوق جبهته وعادت تقول بقلق : " إذا أنت أخذت كيلتي هل ....." فقاطعها : " لقد سبق وسمعت ما قلته . " فنظرت إلى وجهه الذي بدا كأنه قد من الصوان وهي تسأله بخشونة : " ولماذا لم تجب إذن؟ وإذا لم تشأ الإدلاء بجواب على الأقل ....." فقاطعها : " أتريدين جواباً؟ " وتحول ينظر إليها وأجفلت وهي ترى الكآبة والتجهم يعلوان ملامحه وهو يتابع قائلاً : " إذن فسأعطيك الجواب . كلا إنني لن آخذ ابني معي كما إنني لن أضعه في مدرسة داخلية ... " فقالت : " وماذا ستفعل إذن؟ " فأجاب : " سأتركه في غلينكريغ يا سيدة كامبل وستستمر حياته كما هي وكأنني لم أكتشف وجوده قط ، لقد كنتِ تحدثت عن تربيته وأنا ليس لدي اعتراض على ذلك إنني سأؤمنه مالياً وسيرث كل أملاكي بعد موتي ." لماذا تراها تشعر وكأنها متبلدة الإحساس . كان ينبغي أن تفهم ماذا كان يقول ولكن ما سمعته لم يكن معقولاً ..... يبدو وكأنه يريد أن يعود إلى المدينة تاركاً كيلتي في غلينكريغ ...... وعاد هو يقول بضيق : " نعم يا نيرن إن سمعك لم يخطئ ما قلته لكِ عندما أعود إلى لندن سأعود بمفردي . " وانحنى يلتقط كيسها يناولها إياه ، فنظرت إليه لتراه ينظر إليها بعينين كانتا من العنف والقسوة بحيث تماثلان تلك التلال الصخرية حولهما وهو يقول لها : " في كل مرة انظر فيها إلى ذلك الغلام أرى أمه ، في كل مرة أفكر في ذلك الغلام أفكر في أمه وعندما أفكر في أمه ، تفيض نفسي بالكراهية كينبوع من السم وهذا السم يفيض على ابنها ...... " فصرخت نيرن في وجهه : " إنني لا أعرف ما الذي فعلته هازيل لتستحق منك كل هذه المشاعر التي لا تعرف الغفران ولكن كيلتي لم يفعل شيء يجعله يستحق منك كل هذه الغلظة والعنف . " وكان صوتها باكياً وهي تتابع : " ستروم لا تتخلى عنه ... انه ابنك ." لم يجب وكأن توسلاتها صافحت آذاناً صماء . أشاح بوجهه عنها ليسير بتثاقل صاعداً المرتفعات الشاهقة وقد هبطت كتفاه وكأنهما تحملان أثقال العالم اجمع . واغرورقت عيناها بالدموع . وأسرعت خلفه بعد أن شدت متاعها إلى ظهرها كان بإمكانها أن تتخيل ما قد يكون شاعراً به . لقد كان ممزق العواطف ذلك أنه نتيجة لكراهيته لهازيل كان يحاول أن لا يتعلق عاطفياً بابنه ويبدو أن هذا الكفاح كان صعباً عليه كانت تظن في البداية إن بإمكانها مساعدته ولكنها تدرك الآن خطأها ، فهو الوحيد الذي بإمكانه أن يحرر نفسه من كل هذه المرارة وذلك الحقد اللذين يدمران كيانه . انه الوحيد الذي بإمكانه أن يفك الأغلال التي تقيد قلبه ومن ثم يطلقه حراً . كان على قمة جبل سلاغمهور كومة من الحجارة أقيمت منذ سنوات بأيدي المتسلقين الذين كانوا يضيفون حجراً إلى تلك الكومة وذلك كشاهد على إنجازهم في غزو القمة وفي هذا الوقت من فصل الشتاء كانت كومة الحجارة مغطاة بالثلوج. وقفت نيرن مديرة ظهرها إلى هذه الحجارة وقد حنت ظهرها إزاء شدة الرياح وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب منذ فترة والسماء اغبر لونها كما انتشرت الظلال وأظلمت الوهاد وشعرت بالصقيع حتى العظم وأحست بارتجاف مؤلم وهي تنظر إلى ستروم . وهتفت بيأس : " انه ليس هنا انه ليس على الجبل . " فسألها : " ألا يمكن أن يكون قد نزل من الجهة الأخرى . " فصرخت : " من غير الممكن النزول من الجهة الأخرى فهناك صخور شاهقة جداً وفي السفح يوجد أخدود مليء بمياه الأمطار ...." وازدردت ريقها لا تريد أن تفكر بذلك الأخدود ولكن إذا كان كيلتي قد اختار النزول من تلك الجهة فليس ثمة فائدة من التفتيش عنه فالأخدود كان بعمق مئات الأقدام . ولفت وشاحها حول فمها وهي تقول : " ستسود الظلمة قريباً ومن الأفضل أن نعود" ورفعت بصرها عالياً ثم همست بذعر : " الثلج سيتساقط مرة أخرى ...." وتلاشى صوتها عندما هب الهواء المثلج يحمل الألوف من ندف الثلج تتطاير حولهما ومرت لحظة تجمد فيها ذهنها فلم تر ستروم وشعرت بنفسها وحيدة في هذا المكان الشاهق بعيدة أميالاً عن كل مخلوق أو مكان | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:15 pm | |
|
ثم إذا بأصابع قوية تقبض على ذراعيها وصوت يقول : " يبدو أن عاصفة ثلجية على وشك الهبوب من الأفضل أن نفتش عن ملجأ ، ولا تقلقي بشأن كيلتي إذ ربما عاد فراجع أفكاره من ناحية الهرب وربما يكون الآن جالساً في المنزل قرب المدفأة ." وفكرت نيرن وهي تهبط فوق الصخور المغطاة بالثلج في أنه قد يكون على حق . قد لا يكون كيلتي الآن جالساً قرب المدفأة ولكنه بالتأكيد ليس على جبل سلاغمهور ، نعم ربما جاء إلى هنا ، ذلك أنهما شاهدا أثار أقدام أمام أول باب مرا به في طريقهما إلى القمة وكذلك أمام باب ثاني ولكن شدة الرياح وتساقط الثلج جعلت من غير الممكن التمييز ما إذا كانت آثار أقدام إنسان أم أرنب بري . كان الكوخان خاليين وكان الأصغر القريب من القمة مجرد كوخ لا يقدم سوى الملجأ لأولئك الذين تفاجئهم العاصفة أو الظلام ، أما الآخر الذي يمران به مرة أخرى بعد ثلث ساعة في عودتهما فقد كان ذات مرة كوخاً لرعاة وكانت الغرفة الأمامية تحتوي على مدفأة أما الغرفة الخلفية فقد كانت عارية تماماً ولكن نيرن كانت لاحظت كومة من الحطب وبعض المواد السريعة الاشتعال في زاوية من الغرفة الأكثر اتساعاً كما كانت هناك حشية قذرة المظهر مكومة بجانب الجدار وقد ألقي عليها بطانية تماثلها قذارة . وكانت كل دقيقة تمر بهما تجعل مقاومتهما لعصف الرياح اكثر صعوبة فقد جعل ذلك التنفس وكذلك الرؤية اكثر صعوبة وكان الثلج يزداد سماكة كل لحظة وكان شعر ستروم الأسود قد اصبح ابيض تماماً وكذلك حاجباه ولكن رغم الرياح التي كانت من القسوة بحيث توشك أن تقذف بهم من فوق الجبل فقد كانت حركاته مليئة بالثقة والسيطرة على ما حوله . وجدت نيرن نفسها تفكر في أن حكمها عليه كان خاطئاً فقالت له وهي تحاول وسعها البقاء بجانبه : " يجب أن اعتذر إليك فقد كنت مخطئة." فسألها : " مخطئة بماذا؟ " فأجابت : " كنت ظننت انك ربيب المدينة ، ظننت انك ....." فقاطعها وقد بدا الهزل في صوته : " ظننتني شخصاً خسعاً ستضطرين إلى تركه خلفك بعد عدة مئات من الأمتار ثم ..." فقالت : " على كل حال ...." وهنا فقدت توازنها وهي تقفز من فوق صخرة وكادت تقع لولا أن امتدت ذراعاه تثبتانها واحمر وجهها قليلاً بينما ابتسم وهو ينظر إليها قائلاً : " إن الثلج جعل شعرك يبدو ابيض تماماً مما أراني صورة عن مظهرك بعد خمسين عاماً حين يكون شعرك قد ابيضّ بينما ما زال وجهك جميلاً وانفك حلواً وما زالت تعلوه بعض نقاط النمش ... " وابتسم مرة أخرى وكان شالها قد انزلق فمد يديه يربطه حول وجهها قبل أن يتابع سيره وكانت هي تسير بجانبه دون انتباه منها إلى بنطلونها الذي كان قد ألصقه البلل بساقيها . كانت تشعر بالبرد والضعف وكانت تدرك أنها لا بد تبدو كعمود ثلجي يمشي . وفجأة هتفت بصوت أجش : " ها قد وصلنا آه لا أستطيع تصديق ذلك . " لقد كان عثورهما على الكوخ الثاني أعجوبة حقاً فهي لم تر من قبل مثل هذا البياض الذي يكسو كل شيء وعندما وقفا أخيراً عند الباب والعاصفة تصفر حولهما تكاد تعصف بهما . وتصاعد صرير الباب عندما فتحه ستروم وعندما جذبها إلى الداخل ، اندفعت معهما هبة ريح ثلجية هوجاء اكتسحت المكان وصفق ستروم الباب ثم وقفا معاً في الظلام صامتين . وقال ستروم بهدوء : " سنمضي الليلة هنا . " فهمست قائلة : " نعم أظن ذلك ولكن عندما تهدأ العاصفة في الصباح علينا أن نكون قادرين على العودة . على الأقل الشرطة تعلم أين نحن إذا .... " فقاطعها : " دعينا لا نفكر في ( إذا ) هذه يا نيرن إن ما علينا أن نفعل الآن هو أن نهتم بوضعنا هنا حالياً ونلتمس الدفء . " كانت نيرن تستمع إلى صوته القوي محاولة أن تستمد منه القوة ولكنها بعد أن كفا عن المسير ابتدأت بالارتجاف من البرد فقالت : " حسناً لقد كنت رأيت بعض الحطب ومواد الإشعال هنا من قبل في تلك الزاوية . إن علينا أن نشعل النار وقد أحضرت معي علب ثقاب طبعاً كذلك أحضرت مصباحاً يدوياً ولم أكن أظن أننا قد نحتاجه فقد فكرت فيه في آخر لحظة . " فقال : " وهي فكرة طيبة حقاً و الآن دعيني أساعدك على إنزال حملك عن ظهرك ." وخلعت نيرن قفازيها الجلديين ووضعتهما في جيب سترتها ثم فتحت كيسها بأصابع حذرة و أخرجت منه المصباح اليدوي فأنارته محولة ضوءه إلى الزاوية حيث سبق ورأت الحطب . فقالت له : " إن الفراش هناك لم اكن أظن أن وقتاً سيأتي سأقتنع بمثل هذا الفراش الرث . " وابتدأت تنظف المكان من الأوراق القذرة والمهملات الملقاة على الأرض وهي تقول : " علينا أن ننظف المكان قدر استطاعتنا لكي ......." وسكتت فجأة وهي تسمع ما يشبه الأنين خلفها فقالت : " ماذا حدث؟ " هل أصابك شيء ؟ " فقال ستروم : " كلا إنني بخير . اعطني المصباح لحظة . " وتناول منها المصباح وبدأ يوجهه نحو أنحاء المكان ، السقف ، الزوايا ، فوق الباب والسقف ..... وهتفت : " آه كلا ....."
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:15 pm | |
| وشعرت بدوار وهي ترى في ضوء المصباح الضئيل ... " كلا هذا مستحيل .." وقال ستروم بصوت اكثر خشونة مما سبق وسمعته من قبل : " هيا اهتمي بإشعال النار يا نيرن وسأضعه في كيس النوم إن علينا أن ندفئ جسده ." لقد كان هذا كيلتي مستلقياً على الفراش القذر وغطاؤه الوحيد كان البطانية الرثة وكان متكوماً على نفسه مغمضاً عينيه ووجهه في شحوب الموتى وكان جسده يرتجف كمن يعاني من حمى الملاريا . لا بد أنه كان يخفي نفسه خلف الفراش عندما اقبلا في البداية يبحثان عنه كما فكرت نيرن لا بد انه كان سمعهما يقتربان ، فأسرع بخفاء نفسه ولم يظن انهما سيعودان إلى الكوخ مرة أخرى ... وهز ستروم ذراعيها ينبهها من أفكارها تلك قائلاً : " نيرن دعي عنك ذهولك هذا و أوقدي النار . " ولم تعرف كيف تحركت وأحضرت الثقاب ثم الحطب تحمله إلى المدفأة كانت تشعر وكأن شخصاً آخر يحتل جسدها هو الذي يتحرك ويعمل . وعندما اشتعلت النار في الحطب وتصاعدت السنة اللهب أخذت تتأملها كالمنومة مغناطيسياً . وما لبثت أن استدارت تنظر إلى ستروم الذي كان الآن قد تمكن من وضع كيلتي داخل كيس النوم ثم سحب الفرشة المستلقي عليها إلى قرب المدفأة وكان قد خلع عن الغلام حذاءه وجوربيه فوضعها قرب النار لتجف . وسألته بصوت مرتجف : " كيف حاله؟ هل سيصبح بخير؟ "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:15 pm | |
| الفصـــــــــل التاسع
عندما استدار ستروم نحوها ، رأت نيرن وجهه على ضوء النار المشتعلة وكان مرهقاً مغضناً بينما صوته كان ثابتاً وهو يقول : " نعم انه سيصبح بخير ولا بد انه أوى إلى هنا قبل العاصفة الثلجية ورغم أن حذاءه وجوربه مبللان إلا أن ثيابه جافة انه البرد والإرهاق وهذا كل شيء ولولا أن عثرنا عليه لكان الامر مختلفاً بطبيعة الحال ... " وداخل نيرن الارتياح ممزوجاً بمشاعر مختلفة ، مشاعر كانت بمثل عنف العاصفة الثلجية التي تولول خارج الكوخ . هل تراها جنت لكي تتعلق عيناها في مثل هذا الوضع بهذا الرجل الذي كان الآن يقف بعد طول جلوسه القرفصاء بجانب الفراش؟ بوجهه الهضيم وعينيه اللتين كانتا كبحيرتين من التعاسة؟ كان هذا ما جذبها إليه وكان هنالك أيضاً شعورها بالعطف نحوه ... العطف لأنها كانت تعلم أنه يتألم لقد كان الألم رفيقه كان رفيقاً لا يريده ولكنه تملك نفسه بكل قسوة .. تملك نفسه منذ خمس عشر عاماً ... رفيقاً أوجدته فيه هازيل . ما أعظم ما كان حبه لها ، لكي تترك فيه جرحاً كهذا ... لكي يتسمم بهذا الشكل مهما كان فعلها به .... اقترب منها ونظر إلى النار وهو يسألها : " هل أحضرت طعاماً؟ " فأجابت : " أحضرت جبناً وكعكاً ولوحي شكولاته وبعض المكسرات ولكنك لن تحاول إيقاظه أليس كذلك؟ " فأجاب : " ليس لأجل كيلتي بل لأجلنا نحن . " ودون أن يرفع عينيه عن النار قال : " لقد مرت ساعات منذ تناولنا الطعام وليلتنا ستكون طويلة ويجب أن نأكل شيئاً يحفظ قوانا ولكننا يجب أن نقتصد في مئونتنا فمن يعلم كم سنبقى محتجزين هنا؟ " وسكت . وشعرت نيرن بالبرد أكثر مما كانت تشعر به خارج الكوخ ولم تشأ التفكير في إمكان أن تحتجزهما العاصفة أياماً. وسألها : " هل ثيابك مبللة كلياً؟ " فأجابت : " إن جوربي مبللان وكذلك بنطلوني من الفخذين فنازلاً أما القسم الأعلى من ثيابي فلا بأس . ماذا عنك أنت؟ " فأجاب : " لست محظوظاً تماماً . " فسألته : " هل سندخل إلى أكياس النوم الآن؟ " فأجاب : " هذا افضل . " جلست القرفصاء وسحبت كيس النوم من حقيبتها حيث فتحت السحاب وما زالت تتجنب النظر حولها ولكن قبل أن تدخل الكيس قالت : " هل لك أن تدخل كيسك ريثما احضر أنا شيئاً نأكله. " ولم تعد إلى النظر إليه إلا بعد أن سمعته يجر سحاب الكيس الطويل وكان جالساً في الكيس يدفئ يديه أمام النار وقد وضع القسم الأعلى من الكيس على كتفيه العريضتين . والتفت إليها قائلاً : " بالنسبة إلى الكلب شادو عندما خرجنا كان نائماً في المطبخ من الذي سيفتح له الباب ليخرج؟ " فنظرت إليه مستغربة أن يفكر في الكلب في ظروف كهذه وأجابته وهي تناوله كعكة وقطعة جبن : " لقد اتصلت هاتفياً بأمي قبل أن نترك البيت وهي ستهتم به إلى حين عودتنا . " فقال : " هذا حسن . " ولم يزد ، واخذ يأكل ثم عاد يقول : " منذ متى اقتنيته؟ " فأجابت : " شادو؟ منذ ثماني سنوات ، انه هدية العرس من كيفين . " فسألها : " ابن أختك؟ لا بد أن أختك تزوجت قبلك بعدة سنوات ...... " فقالت : " كلا ، تزوجنا في يوم واحد . " وبعد فترة صمت عاد ستروم يقول : " ولكن كيفين .. أظنه في الحادية عشر أو الثانية عشر من عمره . " فأجابت : " آه آسفة ، كان علي أن اشرح الامر . انه في الثانية عشر .. ولكن آدم ليس أباه فقد كانت كيلا متزوجة قبله من شاب اسمه درو فيرغسن وكانت هاجرت معه إلى كندا حيث ولد كيفين . وقد مات درو حين كان كيفين في الرابعة من عمره فعادت به كيلا إلى هنا حيث تزوجت من آدم بعد فترة قصيرة . " فقال ستروم : " بشيء من الدهشة : " إذن آدم هو زوجها الثاني ، انهما يبدوان في غاية السعادة . " فأجابت ببساطة : " انهما يحبان بعضهما . " فابتسم ساخراً وهو يقول : " يحبان بعضهما؟ هل تثقين بالحب؟ " فقضمت نيرن قطعة صغيرة من كعكتها وأعادت البقية إلى الكيس ، من يعلم كم سيبقون محتجزين في هذا المكان .... وأجابت : " نعم إنني أثق بذلك . "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:16 pm | |
|
فقال : " وإذا وقع شخص في الغرام وتزوج اكثر من مرة .... فهذا يبطل منطقك أم أن بمكان الشخص أن يكون له اكثر من حبيب ..... " كانت تعرف أنه يغيظها ... ولكنها كانت تعرف أيضاً أنه يريد حقاً جواباً لهذا السؤال ، فهل بإمكانها ان تجيب؟ وأجابت بهدوء وهي تحدق في اللهب : " كلا ، إنني لا أثق بالحب المتعدد ولكنني أثق بان الشخص قد يعثر على رفيق ... رفيق حياة يكمله أو يكملها وعندما يجتمعان يصبحان واحداً مكتملاً . " فسألها : " وهل تظنين أن كيلا ودرو كانا حبيبين حقاً؟ " فأجابت : " كلا انهما لم يكونا حبيبين بكل معنى الكلمة ، لقد كان درو مجنوناً بكيلا وقد أحبته كيلا ، إنما ليس بنفس القدر ، لقد كانا دوماً صديقين حميمين وكان حبها له كحب أي شخص لصديق حميم . ولكن الامر مع آدم اختلف فقد تعلمت معه الحب الحقيقي الذي يكون بين رجل وامرأة فهو إذن حبها الحقيقي . " فقال : " إذن ، جزآن متماثلان يتحدان معاً ليصبحا فرداً متكاملاً مثلكما أنتِ و روري؟ " لم تحول عينيها عن النار ، كانت تعلم أنه ينظر إليها ، ولم تشأ أن يرى التعبير الذي بدا في عينيها لم تشأ أن يرى الدموع فيهما .. الدموع التي تفجرت منهما وكأن يداً خفية اعتصرت قلبها فلم تكد تحتمل الألم . هذا الألم الناتج عن كلماته الرقيقة ... كلماته التي نطق بها بكل براءة . الألم الذي كان يدفعها آلي أن تصرخ وهي تواجه الحقيقة القاسية ، الحقيقة المرة ، الحقيقة التي اخترقت من الأعماق ... فهي مع أنها أحبت روري كما احبها هو أيضاً وكان حبهما رقيقاً متشاركاً بعيداً عن الأنانية .. ولكن كان هنالك شيء مفقود... إنها لم تدرك هذا في ذلك الحين .. ولو لم تقابل ستروم غالبريث لما أدركته طيلة حياتها . أما ما كان مفقوداً من علاقتهما فهي العاطفة. العاطفة المحمومة والرغبة العميقة ..... وشعرت بنفسها ترتجف عندما قال لها بصوت يتملكه الذهول : " هل تبكين؟ آه يا نيرن .... " رتب على يدها وتمتم : " إنني آسف ، إذ جعلتك تفكرين في روري فجلبت إلى نفسك الحزن .... إنني حقاً متوحش ... " فهمست وهى ترى الندم في صوته : " كلا ، انك مخطئ ليس هذا هو سبب بكائي ." فقال وهو يتخلل شعره بأصابعه : " ما هو السبب إذن؟ اخبريني . " وماذا تخبره؟ وكيف تقول له أنها اكتشفت الآن ذلك الفراغ الذي كان يسود حياتها الزوجية؟ وعاد يقول : " من المفيد أحياناً أن تكشفي عما بنفسك .... " وسكت فجأة وهو يراها تغمض عينيها وهي تجذب نفساً مرتجفاً فسألها بصوت متوتر : " ما هذا؟ ما هو سبب بكائك؟ " وأرادت أن تصرخ ...... أن تقول له انه هو سبب بكاءها ... إنها تبكي لأنها تشعر وكأنها كانت تعرفه طيلة حياتها .... ولأنها تشعر أنها تريد أن تمضي بقية حياتها هنا ولكنها لم تنطق بكلمة.... وإنما قالت بصوت خافت : " إنني آسفة لا ادري ما سبب بكائي هذا ... ربما ما مر بي هذا النهار من أحداث قد أوهن أعصابي ، واظن ان علينا أن ننام . " وقفت لتسوي كيس نومها ثم تستلقي . ومضت لحظة لا نهاية لها لم تسمع فيها صوت ستروم وتمتمت : " سأراك في الصباح . " ولكن لم يكن هناك جواب فاستدارت تنظر إليه لترى انه يجلس القرفصاء قرب كيلتي واضعاً يده على جبينه وقد استحال إلى كتلة من الاهتمام والتركيز . وشعرت وكأنها موشكة على البكاء ياله من رجل غامض معقد غير مفهوم ولكن هنالك شيء مؤكد هو انه رغم ما يبدو عليه من عنف وتصميم على ألا يختلط بابنه فقد كان قلبه يحتوي على مقدار كبير من الحنان . كانت متأكدة من انه رغم قوله انه لا يريد كيلتي ، فثمة صراع يدور في أعماقه في كل مرة ينظر فيها إلى ابنه الذي هو نسخة ثانية عنه ومن لحمه ودمه . وبعد ذلك بلحظة سمعته يسوي من كيس نومه وهو يقول لها : " ليلة سعيدة يا ينرن ." أجابته وهي تبتسم رغم الدموع التي كانت تنساب منها على وجنتيها : " ليلة سعيدة يا ستروم . " ومن الغريب أنها استطاعت أن تنام وعندما استيقظت ونظرت إلى ساعتها رأت أنها الثامنة صباحاً وسرعان ما انتبهت إلى ستروم واقفاً أمام المدفأة يغذيها بالوقود . لابد انه أبقى النار مشتعلة طيلة الليل لأن الكوخ كان دافئاً . وكيلتي؟ أدارت رأسها نحو ذلك الجسم المستلقي على الفراش . لم يعد الآن متكوماً على نفسه التماساً للدفء كان مستلقياً على ظهره يغط في نوم هادئ . وشعرت نيرن بالطمأنينة والسلام ، كان ستروم مصيباً حين قال أن كيلتي سيصبح بخير ولكن لو أن كيفين لم يلحق به ليرى إلى أين يتجه إذن .... وفجأة لاحظت نيرن أنها لم تعد تسمع صوت العاصفة فقد هدأت العاصفة وسيكون بإمكانها العودة في اقرب وقت .. قال لها وهو يجلس بجانبها : " هل أنتِ مستيقظة؟ هل رقدت جيداً؟ " فأجابت : " نعم ، وأنني اشعر بالذنب لعدم معاونتك في السهر . " فقال : " معاونتي في السهر؟ " فنظرت إلى النار المضطرمة وهي تقول : " اعني في المحافظة على اشتعال النار وإلا لكنا ارتجفنا من البرد طوال الليل . " فقال : " لقد كنت مرهقة جسمانياً ونفسانياً . وما كنت لأوقظك مهما كان الامر وفي الحقيقة كنت مسروراً أن سمعت غطيطكِ . " فقالت : " غطيطي؟ ولكنني لا أغط في نومي مطلقاً . " والتفتت إلى كيلتي الذي كان ينقلب إلى جانبه وهو يتأوه مغمض العينين بينما ابتسم ستروم قائلاً : " إنني أقول ذلك لأعرف فقط وهذه عادتي كلما اضطررت لمشاركة الغرفة مع أحد . " وكان الآن متكئاً أمامها ينظر إليها ليرى ردة الفعل عندها لما قاله . شكرت نيرن حظها على أن ليس لديه فكرة من ردة الفعل في قلبها ، في نفسها وذلك عندما كان ينظر إليها بهذا الشكل . هل هذا كان شعور هازيل نحوه عندما كان ينظر إليها؟ شعرت لهذه الفكرة بمثل طعنة السكين في قلبها ، لماذا آلمها بهذا الشكل مجرد التفكير به مع هازيل؟
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:16 pm | |
| وهمست قائلة : " هل كنت مغرماً بهازيل؟ " فاستدار يستلقي على ظهره ، واضعاً يديه تحت رأسه وقد سادت الرزانة ملامحه ثم قال بعد سكوت طويل : " نعم لقد كنت مغرماً بها ، كان حلماً جميلاً ... كان حلماً استحال إلى كابوس . " فقالت برقة : " حدثني عن كل هذا ، عنك وعن هازيل . " فقال : " بصوت خافت : " لقد كنت جئت ذلك الصيف إلى اسكتلندا في الصيف مبكراً ابحث عن قطعة ارض وكنت قد أوجدت لتوي مشروعاً في الخارج وحيث أن مشاريع السياحة والتزلج في الشمال كانت مزدهرة فقد وجدت أن الوقت قد اصبح مناسباً للاستثمار في المنطقة وبسبب اصلي الاسكتلندي كما أظن وجدت أن اسكتلندا تجذبني كالمغناطيس . " فسألته : " وما الذي جعلك تختار قرية غلينكريغ؟ " فأجاب : " كان المكان مثالياً فهو قريب جداً من الجبال ولكنه بعيد عن الطراز الأمريكي ، إذ انه كان يمثل اسكتلندا الحقيقة ، اسكتلندا القديمة التي كانت قبل أن يصبح كل شيء تجارياً وكانت غلينكريغ ..... كانت صورة كاملة لما أريد. " فهزت رأسها قائلة : " ولكنك لم تطور شيئاً .... لماذا؟ " ولكن توتر ملامحه أنبأها بالجواب . وكان طبعاً يتعلق بهازيل . أجاب وقد بان التجهم في ملامحه : " لقد قابلتها مصادفة في نفس اليوم الذي عثرت فيه على قرية غلينكريغ وكنت هابطاً الوادي لأرى بعض الأراضي فيه والتي لم تعجبني وكنت شاعراً بخيبة الأمل لذلك لأنني كنت أحببت هذه المنطقة كثيراً وعندما رأيت خرائب البيت الريفي في كريجند والأراضي المهملة المحيطة به تساءلت عما إذا كانت معروضة للبيع وأوقفت سيارتي إلى جانب الطريق ثم أخذت أسير بين الحقول وملأتني الإثارة فقد كان المكان مناسباً تماماً وكنت واقفاً هناك أحلم بما سيكون عليه بعد إصلاحه عندما برزت أمامي صورة فاتنة لفتاة جبلية جميلة ذات شعر اسود ثائر وعينين خضراوين وضحكة جذابة أسرت حواسي ... " وسكت فجأة وكأنه نسي نفسه ، ثم أطلق ضحكة مرة وهو يتابع : " وبالطبع لم تكن تلك صورة وإنما مجرد مخلوقة من لحم ودم . ولكنها فتنتني على كل حال . لقد سألتني : ماذا تريد من هنا يا ابن المدينة؟ فأجابتها : إنني أريدك . وكان حباً من أول نظرة . كان هذا أمراً سخيفاً أليس كذلك؟ ولكنه لم يبد سخيفاً في ذلك الحين لقد سرقت قلبي . " فسألته نيرن : " وهل أحبتك هي أيضاً؟ " فلوى شفتيه : " لقد قالت ذلك وكنت أظنها فتاة حرة عاطفية ، رغم أنها كانت دوماً ترغب في مقابلتي في أماكن هادئة ... وبعد أن مر على تعارفنا قرابة أسبوعين أخبرتني عن هوغ ... وعن تفاهمهما ، أخبرتني انه يصطاد السمك في الساحل الغربي ولكنها وعدتني أن تفصم خطبتها معه عندما يعود في أواخر حزيران وتخبره بأننا سنتزوج . " وتنهد بصوت مرتجف وهو يتابع : " وفي آخر ليلة من رحلتي تلك ، كانت الغلطة التي اقترفتها وهكذا عدت إلى لندن وفي جيبي عقد شراء ارض كريجند وفي قلبي .... هازيل لندساي . " وظنت نيرن أن حديثه انتهى ، فأرادت أن تعرف ما حدث بعد ذلك ولكنه عاد يتابع حديثه بصوت خشن : " لقد كتبت ألي رسالة بعد عودة هوغ من صيد السمك تقول فيها أنها منذ اللحظة التي رأته فيها مرة أخرى علمت انه الرجل الذي يحبه قلبها .. وان علاقتنا ، أنا وهي لم تكن سوى غلطة لم تعد تعني لها شيئاً وقالت أنها لا تريد أن اتصل بها بعد ذلك لأنهما هي وهوغ سيتزوجان بأقرب وقت بعد ان اعترفت له بالحقيقة . " ترقرقت الدموع في عيني نيرن عطفاً على هذا الرجل . كان يقول الحقيقة دون شك . الحقيقة التي كانت تبدو من صوته الخافت المتألم . وعاد يقول بصوت معذب : " ربما كنت سامحتها على كذبها ذاك ولكنني لن أسامحها أبداً على عدم اطلاعي على حملها مني . كان عليها أن تخبرني ، كان لي الحق في أن أعلم .... كيف أمكنها أن تكون بكل تلك الأنانية ... " وكانت الشهقة المفعمة بالذهول والتي ملأت جو الكوخ ، كانت من الألم الذي ينضح منها ما ظنت نيرن معه أنها صدرت عنها هي ... فهي لم تصدر عن ستروم لأنه أبدى مثلها دهشة وعجباً وقد بدت عيناه حادتين متسائلتين . ذلك أن الشهقة كانت صدرت عن كيلتي . كان منبطحاًَ على بطنه وقد أخفى وجهه بين ذراعيه وسرى في نفس نيرن الهلع . انه لم يكن نائماً ، فلا بد انه سمع كل شيء إذن ، ولم تستطع أن ترى وجهه ولكنها استطاعت أن تتصوره . لقد كان يحب أمه كثيراً وكان يرى العالم كله ممثلاً في هوغ .. الرجل الذي كان يظنه آباه . وها هو ذا الآن يعلم انه كان يحيا حياة الكذب وان هذا الرجل الغريب الذي اقتحم حياته هو أبوه . انه يعلم الآن حقيقة ما حدث في الماضي وربما يمزق علمه هذا نفسه أشتاتاً .. تماماً كما تمزقت نفس ستروم وما زالت . وهمست من خلال دموعها : " آه يا للهول ..... " ووقف ستروم وهو يقول بصوت معذب : " لم اكن أريده أبداً أن يعرف .... "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:17 pm | |
|
وجاء صوت كيلتي خشناً وهو يقول بألم : " ولكنني كنت اعلم مسبقاً انك أبي . لقد سبق وعلمت ذلك، لقد كنت أنا من ... " ولم يستطع أن يتابع كلامه . وساد الصمت لحظة ، ثم همس ستروم ببطء وذهول : " هل كنت أنت من استأجر المحامي لكي يقتفي اثري؟ لقد ظننت أن أمك هي التي فعلت ذلك قبل موتها وإنها هي التي حركت الأمور لغاية في نفسها .. وكنت افترضت أيضاً أنها اخفت عنك الحقيقة لكي لا يعلم أحد بان هوغ لم يكن أباك الحقيقي .... " وسألته نيرن : " ولكن من أين حصلت على النقود آجرا للمحامي يا كيلتي؟ إن القليل الذي تركه والداك لم يكد يكفي تغطية تكاليف الجنازة؟ " فأجاب : " من بيع آلة التصوير . " فهتفت : " آلة التصوير . " لقد اتضح الآن كل شيء وشعرت بغصة في حلقها وهي تتابع : " لقد بعت آلة التصوير إذن لكي تدفع أجرة المحامي ... " وهتف ستروم وقد بان الندم في ملامحه : " آه ، هذا هو السبب إذن في قولك انك كنت بحاجة إلى ثمنها ... " فأجاب كيلتي بهدوء : " نعم ، وليس لأشتري المخدرات . " فقال ستروم : " إنني آسف لقولي ذاك ، وان كنت أعلم أن أسفي هذا لا يكفي .. فهل بإمكاني أن اسحب كلامي؟ كل ما بإمكاني الاعتذار به هو انه كان صادراً عن اهتمامي بك . " فأجاب الغلام وقد بدا الإرهاق في صوته : " نعم لا بأس إنني متفهم ذلك . " فقال ستروم : " إن ما لم افهمه هو لماذا قررت أمك في النهاية أن تخبرك بالحقيقة؟ " فانقلب كيلتي على جانبه متكئاً على مرفقه يحدق في ستروم بعينين مغرورقتين وهو يقول : " إن أمي لم تخبرني بذلك قط ، إن أبي هو الذي اخبرني لقد اخبرني عنك في المستشفى قبل أن يموت ، اخبرني انه ليس أبي الحقيقي ... اعترف بأنه كان يعلم ذلك طيلة الوقت . قال أن أمي لم تعلم مطلقاً بأنه كان يعرف بالأمر ، لم تعلم قط بأنه أحس باختلاف في مشاعرها نحوه ، عند عودته من صيد السمك في ذلك الصيف وعندما اكتشفت بعد زواجهما بقليل أنها حاملاً لم تعلم قط بأن أبي اكتشف سرها وانه تكهن بأنها لا بد تعرفت إلى رجل آخر أثناء غيابه وكان من حبه لها انه سكت طوال تلك السنين وكان الشيء الوحيد الذي استطاع أبي أن يعرفه عن ذلك الرجل وكان مجرد تخمين كما قال هو أن اسمه كان سومرليد ....... " سألته نيرن : " سومرليد؟ ولكن .... " فأشار كيلتي نحو ستروم وهو يقول : " إن اسمه الأوسط هو سومرليد .. وكانت أمي دوماً تقول أنها تحب هذا الاسم . " ولم تستطع نيرن الكلام وقد أحست بأنها تكاد تختنق وكل ما استطاعت عمله هو أن تعض شفتها المرتجفة مغالبة دموعها . لقد فاضت بها المشاعر حتى لم تعد تستطع احتمالاً ... وعلا صوت الطرق على باب الكوخ ، وبشكل غير متوقع ، جعلها تقفز من مكانها وهي تشهق لترى الباب يفتح فجأة فيهب منه الهواء المثلج يصفع وجهها ، و أغمضت عينيها إزاء النور الساطع ، لتعود فتحهما على خيال طويل يقف في الباب وانطلق صوت مألوف لديها يقول : " من حسن الحظ أنكم هنا جميعاً وليس بكم ضرر كما أرى . " فقفزت واقفة وهي تهتف : " آدم كنت أظنك في ادنبره؟ " واندفعت تحيط صهرها بذراعيها . واحتضنها هو بشدة وهو يبتسم لها قائلاً : " لقد تصادف أنني اتصلت بالبيت هاتفياً بعد المكالمة بينك وبين كيلا فأخبرتني بما حدث فقطعت رحلتي وعدت إلى البيت حيث شكلت فرقة إنقاذ وإذ بالعاصفة الثلجية تهب وكان علينا أن ننتظر هدوءها . لا يمكنني أن أصف لك مقدار الراحة التي شعرنا بها عندما رأينا الدخان يتصاعد من مدخنة الكوخ هذا ، آه ، يا ستروم لقد أحسنت بعنايتك بهذين وتهاني لك فهذا شيء حسن جداً بالنسبة إلى ...... " فقاطعه ستروم ضاحكاً : " بالنسبة إلى ابن المدينة . انك لست الوحيد الذي ظن بي الضعف والخرع ... " وانطلق صوت كيلتي من الخلف قائلاً : " انه ليس خرعاً . فهو أول رجل استطاع الوصول إلى قمة افرست في رحلة كارينغتون الاستكشافية وذلك عندما كان في الرابعة والعشرين فقط من عمره . " واستدار ستروم و نيرن ينظران إليه وكان جالساً في كيس النوم وقد بدا عليه وكأنه لم يذق النوم منذ اشهر . وهتفت نيرن : " قمة افرست؟ متسلق جبال؟ " وشعرت برأسها يدور . وتابع كيلتي بصوت مرتجف : " متسلق جبال ومصور فوتوغرافي وقد اضطر إلى ترك التسلق لأنه أثناء هبوطه في أخدود عميق أثناء تلك الرحلة ، وذلك لينقذ قائد الرحلة نيكولا كارينغتون ، أثناء ذلك كسر ركبته ... " فاستدارت نيرن نحو ستروم وهتفت بذعر : " ستروم ما كان لك أن تصعد إلى هنا .. وركبتك هذه .. إن المجازفة ... " كان هو ينظر إلى ابنه وقد بدا على ملامحه تعبير لم تره من قبل . ذلك أن الكآبة القاسية التي كانت تعلو وجهه قد تلاشت ليبدو في مكانها رقة هزتها ... وكانت تلك الرقة ممزوجة بالارتباك ، هل ذلك لأن كيلتي كان يعرف من هو طوال الوقت وكان يحتفظ بذلك سراً؟ أم أن الارتباك هو سبب المشاعر التي ابتدأت تتكون في أعماقه نحو ابنه؟ أم ربما لسببين معاً؟ ولكنها ما أن نظرت إليه ، حتى تمالك مشاعره بسرعة وعاد الجمود إلى عينيه لا تنبئان عن شيء . وقال هو : " لقد كانت مغامرة كنت متأهباً لها . وحتى الآن ركبتي صامدة .. والآن هيا بنا ، فأمامنا طريق طويل شديد البرد . "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:17 pm | |
|
الفصــــــــــل العاشر
وقفت نيرن تحت الدوش وهي تتنهد مغتبطة بالماء الدافئ الذي ينهمر عليها وأغمضت عينيها ثم أخذت تفكر ..... من حسن حظهم انهم عادوا جميعاً سالمين وكذلك صمود ركبة ستروم أثناء هبوطه الجبل ، لقد أذهلها حقاً أن تعلم انه كان يوماً متسلقاً مشهوراً وكان أحد أعضاء رحلة كارينغتون الاستكشافية . لقد كانت يومها تلميذة في المدرسة ولكنها ما زالت تتذكر كيف كانت تتابع على شاشة التلفزيون أخبار محاولته البطولية الناجحة في إنقاذ كارينغتون والإثارة التي أحدثتها تلك البطولة في نفسها الغضة . لا بد أنها كانت حينذاك في سن كيلتي الآن . آه ، كيلتي .... وعادت نيرن بأفكارها إلى الحاضر وهي تتنهد . أخذت تفكر في الوضع التعس بين ستروم وابنه . ومهما حاولت إقناع نفسها بأن لا دخل لها هي في هذا الأمر وأن ستروم هو والد كيلتي ولا يمكن أبداً أن يبعده عن حياته ، فقد كانت دوماً تعود إلى نفس النقطة وهي أنها المسؤولة عن كيلتي حالياً ، فإذا أراد ستروم أن يهجر ابنه فستبقيه عندها . ولكن حتى ولو أن هذا سيسعدها ، فقد كانت تعلم في أعماقها أنه ليس في مصلحة كيلتي ، فهو بحاجة إلى رجل يتمثل به . بحاجة إلى أب . فقط ، لو كان بإمكان ستروم أن يتغلب على هذا الأسى الذي يعانيه ولكن بقاء هذا الأسى خمسة عشر عاماً ، ليزيده الآن علمه بان هازيل اخفت عنه سر حملها منه كل هذا جعل أملها في استئصال الحزن والأسى من نفسه ضعيفاً جداً . وكانت تركت ستروم و كيلتي في المطبخ يتناولان غداءهما الذي كانت أحضرته كيلا بسرعة من منزلها عقب وصولهم . وكان ستروم قد نزل من غرفته بعد خروج كيلا أنيقاً حليقاً وشعرت لدى رؤية كيلتي يدخل من المطبخ بعد ذلك بقلبها يخفق ... لقد كان مرتدياً زيه الخاص والذي هو عبارة عن التنورة الجبلية السوداء والقميص المقفل وكان وجهه الهضيم جاداً وأدركت وهي تنظر إليه السبب الذي جعل قلبها يخفق . ذلك لأنه كان نسخة طبق الأصل عن أبيه وأيضاً كان يماثله في التعبير الذي ساد ملامحه . لقد كان الغلام تعيساً كالرجل .... وكانت قد خرجت من الحمام وقد ابتدأت بتجفيف شعرها ، عندما سمعت شخصاً يهتف باسمها من خلف الباب ، ثم طرقاً متواصلاً . كان ستروم وأجابت : " نعم؟ " فسألها : " هل أستطيع الدخول؟ " فأجابت : " نعم ، لماذا؟ " فأجاب : " أريد أن أتحدث إليك . " ففتحت الباب قائلة : " ادخل ماذا جرى؟ " فأجاب : " إنني راحل . " فسألته مذهولة : " راحل؟ ولكن .... " قاطع كلامها وقد تغضن وجهه : " انه يتخذني مثله الأعلى . انه كيلتي . لقد أخذ يتحدث أثناء الطعام . لقد أخبرني أنه يحتفظ بكل أعمالي ، الصور التي كنت التقطتها على مدى السنين للصحف أثناء تسلقي الجبال . لقد أخبرني .... " وأغمض عينيه ورأته نيرن يزدرد ريقه بصعوبة ولكنه عندما تابع كلامه كان قد استرد هدوءه وهو يضيف : " لقد اخبرني أن أعمالي كانت ملهمته ... " فقالت : " آه ، وكان هذا قبل أن يعرف انك أبوه .... " فأجاب : " نعم وعندما علم من المحامي أن ذلك الرجل الذي كان معجباً به إلى ذلك الحد هو أبوه ... وظن انه خان أمه شعر بأنه أيضاً قد خانها .. ما أشعره بالذنب ." فقالت : " ولكن ، إذا كان شاعراً بالذنب إلى هذا الحد فلماذا طلب من المحامي الاتصال بك؟ أليس هذا ما حدث؟ والذي جعلك تعرف ان لك ولداً؟ " فأجاب : " كلا يا نيرن ليس هذا ما حدث . إن كل ما أراد كيلتي معرفته هو هوية والده الحقيقية لا اكثر ، لأنه كان يفترض أنني أعلم بوجوده وأنني أنا الذي كنت هجرت أمه وقد كرهني قبل أن يعلم من أنا ولكنه بعد ان علم ذلك تملك مشاعره الاضطراب والتشوش ، إذ ان نفسه توزعت بين كراهيته لي وبين عدم الرغبة في التخلي عن صورة ذلك الذي كان مثله الأعلى سنين طويلة . " فقالت : " آه يا ستروم كم هذا مخيف بالنسبة له . " فقال : " نعم وقد استأجر المحامي وهو من انفرنيس ، مخبراً بناء على تعليمات كيلتي وهذا المخبر أخذ يتحرى عن ماضي هازيل ، مبتدئاً طبعاً من الوقت الذي أشار به كيلتي مستعلماً عن كل رجل ربما زار قرية غلينكريغ ح والى ذلك الوقت وفي النهاية كان اسمي في قائمته وقد اقتفى اثري إلى أن وصل إلى شقتي في لندن ولكن عندما أبتدأ يلقي بالأسئلة عني في محيطي ذاك ، ساور الساقي في مقهى هناك وكان من معارفي ، ساوره الفضول ، فأخذ يلقي عليه من تلقاء ذاته بعض الأسئلة جعلته يعلم أنني قد أكون أباً لولد في غلينكريغ . " فسألته : " ومنذ متى أبتدأ كيلتي البحث عنك؟ " فأجاب : " بعد وفاة هوغ مباشرة ولكنني لم أعرف بما يحدث إلا منذ حوالي ثلاثة أسابيع . فاستأجرت مخبراً ليتحرى عمن كان يبحث عني ، فقادته تحرياته إلى محامي في انفرنيس ، ولكن هذا لم يؤكد قصة ذلك المخبر الذي كان استأجره وكل ما اخبرني به هو أنه كان يعمل لحساب أحد عملائه ... " فسألته : " وطبعاً ، اتصل المحامي بكيلتي ليخبره عن اتصالك به . " فقال : " نعم وهذا هو السبب في أن الغلام تهرب من تلك الرحلة البحرية مع الفتيان ذلك ان المحامي أخبره انه استنتج من شيء قلته أنا ، أنني مصمم على العودة إلى غلينكريغ . " فقالت : " وهذا ما قمت به فعلاً
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:17 pm | |
| فأجاب : " نعم ، قمت به بهذا لكي أتحقق من هذه القصة والآن ، إنني راحل بعد أن نلت الغرض من رحلتي ... " فصرخت نيرن قائلة : " كلا ، لا يمكنك الذهاب ليس الآن . " فارتسمت على شفتي ستروم ابتسامة حزينة ، حدق فيها طويلاً وقد بانت التعاسة على وجهه ثم قال بهدوء : " الماضي لا يمكن محوه يا نيرن ولا أقوى إرادة في العالم تستطيع ذلك . " نظرت نيرن إليه وهو يسير نحو الباب ، وما أن خرج مغلقاً الباب وراءه بحزم حتى انطلقت من بين شفتيها آهة حزينة . استندت إلى الجدار تحدق في فضاء الغرفة بعينين لا تريان . كلا ، الماضي لا يمكن محوه .. ولكن المرء يتعلم كيف يرضى به ، يضعه وراء ظهره ثم يتطلع إلى المستقبل فإذا لم يكن ستروم مهتماً بمستقبله هو ، فعليه أن يهتم بمستقبل ولده وفكرت باستماتة بأنه لا ينبغي له ان يرحل .. هذا غير ممكن ليس من دون ولده على كل حال ، إنها لن تدعه يفعل ذلك . ولكن ماذا بإمكانها أن تفعل؟ ومشت عائدة إلى منضدة الزينة حيث رأت في المرآة وجنتيها متوهجتين وعينيها لامعتين كمن به حمى . فأصلحت من مظهرها . عليها أن تسرع ، ليس لديها وقت تضيعه . ذلك أن ستروم غالبريث قد صمم تماماً على ما يريد وكانت هي على استعداد لأن تفعل أي شيء في سبيل أن يغير من تصميمه ذاك . كان كيلتي غلاماً رائعاًَ فهو موهوب ويشعر بالمسؤولية وذا شخصية متفردة وواثقة وهو قد أبتدأ يرتبط عاطفياً بستروم وتذكرت نيرن شيئاً سبق و قالته أمها لكيلا وآدم عندما ولدت لهما كاتريونا ، قالت : " إن الطفل لن يأخذ وقتاً طويلاً في الوصول إلى قلبكما . " وكيلتي لم يعد طفلاً ولكنه ما زال غلاماً ... ابن ستروم . كانت نيرن متأكدة من أنه إذا وجد الفرصة فلن يأخذ وصوله إلى قلب أبيه وقتاً طويلاً . إن عليه أن يفعل ذلك . وان اعتمادها الآن على هذا . هبطت نيرن الدرجات الأخيرة من السلم بسرعة عندما رأت كيلتي عند الباب الخارجي لتسأله : " هل أنت خارج؟ " وأدركتها الدهشة والارتياح وهي تراه متردياً سترة وكانت سترة عسكرية ذات لون كاكي ، وربما كانت سترة قديمة لهوغ .. وكان لها ماض مجيد ولكنها سميكة دافئة أجابها قائلاً : " نعم فالساعة الثانية فقط ويمكنني ان الحق ببقية دروس بعد الظهر . " فسألته : " وهل ستعود بعد ذلك إلى البيت مباشرة؟ " أجاب : " نعم . " وأشار برأسه إلى الطابق الأعلى حيث غرفة أبيه متابعاً بعينين كئيبين : " ولو أنه سيكون في ذلك الوقت قد رحل لقد سبق وودعني . " فاقتربت منه تضع يدها على كتفه وهي تقول : " وأنت لا تريده أن يرحل أليس كذلك؟ " ازدرد ريقه بصعوبة ثم أجاب قائلاً : " لا يمكنني منعه . " وأشاح بوجهه ولكن ليس قبل أن ترى عينيه مغرورقتين بالدموع وتابع قائلاً : " لقد جعلني أقبل منه آلة التصوير هدية منه كما قال . " تخيلت نيرن المشهد الذي جمعهما وغالبت دموعها وهي تقول : " سأحاول إثناءه عن عزمه . إنني أعلم أنه سيحبك إذا أمكنه فقط أن يفتح قلبه .... " فقاطعها : " انه لن يحبني .... " ومسح عينيه بكمه وهو يفتح الباب ليحدق بذهن شارد في الثلج الذي يغطي الأشجار أمام البيت ، ثم يتابع قائلاً : " انه لن يسمح لنفسه بذلك . انه مليء بالكراهية تماماً كما كنت أنا . " فهتفت : " كيلتي . " ولكنه كان قد اغلق الباب خلفه وذهب . ولم يكن ثمة فائدة من الركض خلفه . إذ ما الذي بإمكانها قوله لتطمئنه؟ ولكنها ستحاول أن تؤخر ستروم عن السفر ، إنها لا تعرف كيف ولكنها ستحاول ولن تتأخر فهو لا بد يحزم أمتعته الآن . واتجهت نحو السلم وقلبها يخفق وقد تبللت راحتاها بالعرق . عليها أن تثنيه عن السفر ...... قرعت الباب ففتحه لها وقبل أن يسألها عما تريد مرت بجانبه داخلة إلى الغرفة والتفتت إليه قائلة بابتسامة متألقة : " فكرت في أن أساعدك في حزم أمتعتك . " ونظرت إلى حقيبته المقفلة وإلى الغرفة المنظمة والتي لولا أغطية الفراش المبعثرة لما بدا ان ستروم غالبريث قد سكنها أياماً وعندما يصبح في سيارته المرسيدس عائداً إلى المدينة لن يبقى أي شيء منه يشير إلى انه عاد إلى غلينكريغ . لا شيء سوى ألم القلب الذي سيخلفه وراءه . قالت له : " يبدو عليك أنك مستعجل جداً لترك هذا المكان أليس كذلك؟ " فبدا الجمود في عينيه وهو يقول : " ليس بالضبط ... " فقاطعته بجرأة لم تعرف كيف واتتها : " بل الأمر كذلك وأقولها مرة أخرى .. انك مستعجل جداً لترك هذا المكان وأنا أعرف سبب ذلك . " فقال ببرود رافعاً حاجبه : " أحقاً؟ ربما بإمكانك ان تطلعيني على السبب . " فأجابت : " لا أظنني بحاجة إلى ذلك ولكن ما دمت مصراً على زعمك هذا فسأجاريك وأقول انك مستعجل على الرحيل لأنك .... خائف . " فضحك برقة إنما بحذر وهو يسألها : " وهل لي أن أعرف ذلك الشيء الذي أخاف منه؟ " فأجابت : " انك خائف من البقاء لكي ...... " فضاقت عيناه وقال : " تابعي كلامك . " فقالت بلطف : " انك خائف من البقاء لأنك تخاف من عواطفك .... ذلك أنك ابتدأت تشعر بالرغبة في ان تتعرف إلى ابنك لأنك ابتدأت تفكر في كيفية تغذية موهبته فأنت خائف من أن لا تستطيع نفيه من ذهنك إذا أنت لم ترحل على الفور ذلك لأنك تشعر بجدار الجليد بينك وبينه يذوب ، فالرعب يتملكك ... " فقاطعها بصوت خشن : " هذا ليس صحيحاً يا نيرن فذلك لا يخيفني ولكنه يذكرني .. يذكرني بتقلب قلوب البشر . انه يذكرني بالألم الذي يولده الحب ثم انه يذكرني بما سبق وعاهدت نفسي عليه وهو أن لا أسمح للمشاعر بأن تتملكني مرة أخرى ." فقالت بصوت ينضح بالألم : " ولكنك عدت للشعور مرة أخرى . " ودون أن تعي ما تفعل ، اقتربت منه تمسك بيديه وهي تحدق فيه ثائرة : " انك عدت للشعور مرة أخرى ، لقد أدركت من الطريقة التي تنظر فيها إلى ابنك ، ان في أعماقك حنيناً ولهفة إليه تمزق نفسك .... " قال بخشونة : " إذا كان بإمكانك أن تري كل هذا فلا بد أنكِ ترين الشوق الذي يتملكني من ناحيتك ، هذا الشوق الذي لم أعد أستطيع مقاومته . " منذ دخول نيرن غرفته ، حاولت أن تتجاهل جاذبيته ، ذلك لأنها جاءت لأجل كيلتي ولكن عندما سمعت كلامه وجدت نفسها تنسى كيلتي وكل شيء ما عدا هذا الرجل الأسمر الجذاب الذي أدار رأسها . وتمتم برقة : " يا لكِ من فاتنة ، فتاة جبلية حقيقية ، لقد أعجبت بك ولا أدري كيف سأتمكن من الهرب منك . " فهمست : " وهل تريد أن تهرب؟ " فتمتم : " أن ما أريده هو ....... " لم تستطع أن تتجاهل ما قرأته في نظراته ... وبغريزة المرأة أدركت أنها مهما طلبت منه الآن فهو سيلبيها ولن يرفض لها طلباً . فهمست : " هل ستبقى؟ إلى الغد فقط؟ وتمضي بعض الوقت مع كيلتي؟ " فسألها : " هل تريدين مني ذلك؟ " فأومأت برأسها : " نعم هذا ما أريده . " ولم تكن متأكدة وهي تنطق بهذه الكلمات ما إذا كانت تتكلم عن كيلتي أم عن نفسها. فقال : " إذن فسأبقى . " فقالت : " هل هذا وعد؟ " فأجاب : " نعم انه وعد . "
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:18 pm | |
| وأمسك بيدها ليؤكد وعده وانحدرت نظراتها إلى يديهما معاً ...... كانت تتأمل يد الرجل الخشنة السمراء إلى جانب يد المرأة العاجية التي كان يتناثر فوقها بقع نمش ... كانت تتأمل كل ذلك عندما التمع في أحد أصابعها شيء ما في نور الشمس المسترسل من النافذة . انه خاتمها ، خاتم زواجها . الخاتم الذي وضعه روري في إصبعها بعد ان اقسما يمين الزواج . وأغمضت عينيها وقد سرى في كيانها الألم والشعور بالذنب ... لا فائدة ... ودب اليأس في نفسها وقد أدركت أنها لن تتمكن من متابعة هذه العلاقة التي ابتدأتها . ما زال الماضي قوياً في نفسها . إنها الأفكار ، ليس في إمكانها السيطرة على أفكارها ذلك إنها منذ لحظات ، كانت مع ستروم بمفردهما أما الآن فقد دخل بينهما شخص ثالث . سحبت يدها من يده ثم وضعت ذراعها على عينيها بعد إذ شعرت بالدمع يتفجر منهما وهي تهمس قائلة : " آسفة أنني أشعر وكأنني ...... " فقاطعها : " تشعرين وكأنك تخونين روري؟ " وكان في صوته ملل عميق وكآبة وتفهم وشعرت بقلبها يصرخ ولكنها لم تستطع أن تغير مشاعرها . وعادت تهمس بصوت مغلف بالألم ، والندم والعذاب : " أشعر وكأنه ... " قال لها بصوت رقيق وكأنه يتكلم إلى طفلة : " لا بأس يا نيرن إنني افهم شعورك ... " رفعت بصرها تنظر إليه وقد انحبست أنفاسها . وقال يخاطبها برقة : " لو كنتِ امرأة أخرى لظننت انك استغللتِ حنانك ورقتك لكي تأخذي مني وعداً بالبقاء ولكن أنتِ ..... بتلك العينين البنفسجيتين الشفافتين البريئتين لا يمكن أن تعرفي الخداع . " هل تراها حقاً استغلت حنانها ورقتها لكي تحمله على البقاء؟ وساورها الاضطراب من المؤكد أنها لم تكن تنوي خداعه أو التحايل عليه .. ولكن ربما كان هذا ما فعلت وفكرت بيأس .. من تراها حاولت أن تخدع ، ستروم أم نفسها؟ نعم لقد أرادته أن يبقى لكي تعطي كيلتي فرصة لاستمالته ولكنها إذا شاءت أن تكون صادقة تماماً فان عليها أن تعترف بأنها شعرت بهزة عنيفة في مشاعرها حين وعدها بالبقاء إن عليها أن تكون صادقه معه . ولكن ما أن فتحت فاها لتتكلم شارحه له كل هذا حتى أسكتها قائلاً : " كلا ليس عليك أن توضحي ما بنفسك لي أنني فاهم . " ونظرت إليه والحنين والشوق يتملكانها ... وأخيراً ، نهضت متجهة إلى الباب دون أن يحاول منعها . وفكرت نيرن وهي تهبط السلم شاعرة بالتعاسة في مشاعرها المضطربة هذه .. إنها معجبة به ولكن شعورها بالذنب هو أقوى من إعجابها به. هل سيتلاشى شعورها بالذنب هذا يوماً ما؟ وهل سيكون بإمكانها يوماً أن ترضى برجل آخر فتدخله حياتها دون أن يقف بينهما روري وذكرياته؟ وانحنت تربت على رأس الكلب شادو الذي هرول لاستقبالها وهي تهمس له : " لقد أصبحت الحياة مشوشة يا صديقي فهل تراها ستصفو مرة أخري عندما يرحل ذلك المقيم عندنا؟ " وهز شادو ذيله بابتهاج وكأنه يرد عليها قائلاً نعم إنها ستصفو بالتأكيد عندما يرحل ستروم . وتنهدت نيرن وتمنت لو كانت تصدق ولو جزءاً من هذا .
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:18 pm | |
| الفصـــــــل الحادي عشر
" ليلة سعيدة يا نيرن إنني ذاهب إلى الفراش . " وما أن سمعت نيرن صوت كيلتي هذا الآتي من عند الباب خلفها حتى التفتت إليه من حيث تجلس أمام المدفأة في غرفة الجلوس وقالت تجيبه : " هل انتهيتما من تجهيز الغرفة المظلمة؟ " فأجاب : " نعم وأشكر لك سماحك لي باستعمال ذلك المكان . " فقالت : " ان تلك الغرفة الصغيرة الملاصقة للمطبخ خالية منذ سنوات .. ولكونها تحتوي على حوض للغسيل فهي ستناسب عملك تماماً . هل أنت مسرور بالمعدات التي اشتراها لك ستروم في انفرنيس؟ " فأجاب : " ولماذا لا أكون مسروراً وكل شيء اشتراه لي هو من أجود الأنواع؟ " وحاول كيلتي أن يضفي على كلامه صبغة مرحة ولكن نيرن شعرت بزيف محاولته تلك . ذلك انها ، عندما عاد من المدرسة وعلم أن والده ما زال في برواش ولم يغادر رأت لمعان السرور في عينيه ... ولكن ذاك المعان سرعان ما أطفأه ستروم بقوله انه فقط أرجأ رحيله إلى اليوم التالي ذلك أن الشروع في الرحيل باكراً في الصباح كما قال سيكون أفضل من ناحية هدوء الطرقات وخلوها من زحمة السير ولكنه على كل حال أخبر كيلتي أنه سيأخذه إلى مدينة انفرنيس للتسوق ومن ثم ذهب الاثنان بعد ذلك بعشر دقائق وقد تناولا طعامهما في الخارج وعادا في الساعة التاسعة والنصف حيث شرعا في الحال في تجهيز الغرفة المظلمة لكي يخرج فيها كيلتي أفلامه ولم تشأ هي ان تقف معهما مفضلة تركهما وشأنهما وفي الساعة العاشرة ذهبت إلى المطبخ تصنع لنفسها كوباً من الشاي ووصل صوتهما إلى أذنيها أثناء اجتيازها باب غرفة الحديقة المفتوح وكان كيلتي يلقي الأسئلة بصوت حاد خشن النبرات وكأنه يريد به ان يخفي مشاعره بينما كان ستروم يجيب بصوته العميق الواثق بسهولة نابعة عن معرفته الكاملة بالتصوير الفوتوغرافي وكانت العلاقة بين الاثنين واضحة لا تخطئها الأذن زادتها هوايتهما المشتركة في التصوير وشعرت نيرن بالألم وهي تسمع إلى انسجام صوتيهما . الألم لأجل كيلتي الذي كان متلهفاً إلى منح حبه لأبيه ... والألم لأجل ستروم الذي كان يحاول جاهداً عدم تقبل ذلك . وانتبهت من ذكرياتها هذه لترد على كيلتي : " نعم . معك حق إن ستروم لا يشتري سوى الأجود دوماً . " ونهضت تسأله : " أين هو الآن؟ " فأجاب : " أظنه ذهب إلى غرفته . " وشعرت نيرن بفيض من خيبة الأمل . لقد أمضى طيلة الوقت مع كيلتي ... في ذهابهما إلى انفرنيس ثم أثناء انشغالهما في الغرفة المظلمة ... وأخذت تحدق في نار المدفأة وهي تفكر فيه وفي حنينها إليه . وعاد كيلتي يقول : " إنني صاعد إلى غرفتي إذن . " فحملت نيرن كوب الشاي الفارغ ومشت نحوه لتضع يدها على كتفه قائلة : " ليلة سعيدة . " وبعد ذلك بلحظات ، فكرت وهي تغسل الصحون في المطبخ في ما عسى أن تبدو عليه الغرفة المظلمة ... ومن ثم قررت ان لا ضرر من إلقاء نظرة عليها . كان الباب مغلقاً ولكن ما أن دفعته حتى شعرت بقلبها يكف عن الخفقان ذلك ان ستروم كان ما يزال هناك يقوم بتسوية بعض الأمور المتعلقة بأحكام إظلام الغرفة . وأدار وجهه إليها وقد بدا التساؤل على ملامحه ثم قال بهدوء : " آه أهو أنتِ ظننتت ان كيلتي ربما نسي شيئاً . " وحدقت نيرن فيه شاعرة وكأنها تغرق وتساءلت عما يجعل الأشياء تختفي من حولها كلما كانت معه في الغرفة ولا يبقى سوى تأثيره عليها وشعورها هذا بالدوار والوهن ... قال أخيراً وهو ينفض يديه : " ها قد انتهى كل شيء واستقر الأمر لكيلتي الآن . " فقالت تغير مجرى أفكارها : " اخبرني عن السبب الذي جعلك تتخلى عن هواية التصوير مادمت تملك تلك الموهبة؟ لقد سبق وغضبت عندما علمت أن كيلتي تخلى عن التصوير وأنا اذكر قولك حينذاك ، إذا كان لدى الإنسان موهبة ما فواجب ذلك الشخص ان ... " فقاطعها : " أنني لم امتنع عن التصوير باختياري يا نيرن . " فسألته : " وكيف؟ بإمكاني ان افهم سبب تخليك عن تسلق الجبال والذي هو إصابة ركبتك أما التصوير .... " فقاطعها : " لقد اقترن عندي تسلق الجبال والتصوير معاً . في البداية ، كان تسلق الجبال وبعد ذلك أردت أن أسجل العلاقة بين الإنسان والجبال من خلال عدسة التصوير نعم معك حق لقد انتهت هواية تسلق الجبال عندي بإصابة ركبتي ولكن ذلك الانزلاق على الصخور الذي أصابني أثناء هبوطي لإنقاذ نيكولا أصبت أيضاً في رأسي ... ما سبب دماراً لعصب الرؤية في عيني اليمنى وأنا الآن لا أرى بها كلياً . " وانتاب نيرن الذهول لما سمعت وقالت : " ولكن .... " وسكتت وقد تلاشى من ذهنها ما تريد قوله ..... وضحك هو قائلاً : " ولكن العين تبدو بحالة حسنة تماماً . آه يا نيرن لا تكوني حساسة من قولك أشياء قد تسبب لي الألم ، فأنا لست حساساً أبداً من كوني أرى بعين واحدة فقط ، وان يكن التعود على فكرة انتهاء أيامي في التسلق والتصوير معاً ، أخذ مني وقتاً طويلاً في الواقع ولكنني كنت محظوظاً لبقائي حياً وعندما شفيت أخذت أتطلع حولي عن عمل أقوم به وكنت قد سبق وفكرت قبل أن يحدث لي ما حدث في ان أقوم ببناء أكواخ لمتسلقي الجبال ، وذلك بعد تقاعدي عن التسلق وهكذا عندما حدث ذلك التقاعد مبكراً ، عادت إلى ذهني تلك الفكرة وباشرت بها حالاً فاتفقت مع ممول ومن ثم قمت ببناء أكواخ قمم الجبال وكان النجاح باهراً ... ومنذ ذلك اليوم سرت في طريقي دون النظر إلى الوراء ."
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:18 pm | |
| فقالت بهدوء : " أليس غريباً أن يرث عنك ابنك ليس هواية تسلق الجبال وإنما موهبة التصوير الفوتوغرافي أيضاً؟ " فأجاب بلهجة متوترة : " نعم هذا صحيح ان بإمكاني التأكد بأنه يوماً ما سيجعل من ذلك مهنة حسنة . " فسألته قائلة : " ستروم .... هل علمت السبب في أنه أخذ محفظتك في أول صباح أمضيته هنا؟ " فأجاب : " لقد اخبرني بذلك هذه الليلة . لقد أراد فقط أن يعرف هويتي الكاملة أراد ان يتأكد من أنني حقاً ستروم سومرليد غالبريث أبوه . " وضحك بصوت أجوف متابعاً : " ويظهر أنه ورث أيضاً طبيعتي المتشككة . " وأشاح بوجهه وكأنه يريد منها أن تعلم أنه لا يريد ان يتحدث عن ابنه أكثر من ذلك وتابع قائلاً : " إن القمر متألق تماماً هذه الليلة . وهذه فرصة حسنة للتأكد من أنه لا يوجد منافذ للضوء في ظلام الغرفة هذه . " وقبل أن تدرك هي ما سيفعل ، كان قد مشى نحو الباب يغلقه بهدوء ثم يطفئ النور . هذه العتمة المفاجئة جعلت نيرن تشعر بالدوار وبما يشبه الاختناق .... فتحسست طريقها نحو الباب ولكنها قبل أن تصل إليه وجدت نفسها تصطدم بالجدار . وهتف ستروم : " آه ، حذار لقد كدت تتسببين الضرر لنفسك في سيرك هذا في الظلام . " وجعلها الظلام الدامس هذا تشعر وكأنها انتقلت إلى عالم آخر عالم منفصل تماماً عن واقعها ، لا يوجد فيه سوى ستروم ولا صوت سوى صدى صوته في أذنيها . وتنحنحت قائلة : " يبدو أنها ستكون غرفة حسنة . " فأجاب : " آه نعم إنها رائعة لتظهير الأفلام ولن يحصل كيلتي على غرفة افضل منها . " ثم مد يده إلى خلفها وأشعل النور . فقالت بصوت متهافت : " إنني ذاهبة إلى غرفتي الآن . هل ما زالت ... مصمماً على الرحيل غداً صباحاً؟ " فأجاب : " علي ان أرحل يا نيرن إن بقائي .... " وأبدى بيده إشارة وكأنه يتوسل إليها ان تشعر معه ثم قال : " لقد أوضحت للغلام كل شيء وهو متفهم تماماً الآن . " فقالت : " أنه بحاجة إليك يا ستروم . " ورأته يجفل وكأنما صفعته ورأت كتفيه تهبطان وكأنما سلبت منه الحياة وهمست من خلال دموعها : " وأنا أيضاً بحاجة إليك . " ولكنه استدار مبتعداً عنها . وأغمضت عينيها لحظة وكأنها بعدم رؤيته تنهي عذابه وعذابها . ثم عادت ففتحت عينيها وسألته : " في أي وقت ستشرع في المسير صباحاً؟ " فأجاب : " أحب أن يكون ذلك في السادسة . " فقالت : " سأراك في الصباح وسأجهز لك الفطور قبل رحيلك . " ولم تنتظر جوابه كانت تعلم أن عليها أن تخرج من الغرفة وتغلق الباب خلفها قبل أن تنطلق من بين شفتيها تنهدات الأسى والحزن اللذين كانا يعتملان في أعماقها .
| |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:19 pm | |
| الفصـــــل الثاني عشر
" هل رحل؟ " فمسحت نيرن العرق عن جبينها بعد أن سمعت صوت كيلتي الذي كان واقفاً بباب المطبخ ، ثم استدارت تنظر إليه والتوى قلبها ألماً وهي ترى النظرة التي بدت في عينيه وقالت بهدوء : " نعم لقد رحل . " فازدرد ريقه بصعوبة ثم أشاح بوجهه ومضى ينظر من النافذة ثم قال : " كنت آمل أن .... " واختنق صوته بالانفعال فلم يستطع متابعة الكلام . فقالت وهي تتقدم لتقف بجانبه : " نعم ... نعم وأنا أيضاً كنت آمل ذلك . " فقال : " انكِ ... معجبة به أليس كذلك؟ " فأجابت : " وأكثر من ذلك يا كيلتي أكثر من ذلك بكثير وقد أردت منه أن يبقى من أجلي أنا أيضاً ولكن هازيل سببت له الكثير من الأذى فلا تكرهه أنت . " فأدار رأسه إليها . وكانت وجنتاه مبللتين بالدموع ، وهو يقول : " إنني لا أكرهه يا نيرن أما ما لا أستطيع أن أفهمه فهو كيف أمكن لأمي أن تؤذيه بهذا الشكل؟ فهذا ليس من طبيعتها . " فهمست : " كلا ، ليست هذه طبيعة هازيل ولكننا لن نعرف قط ماذا كان يجول في ذهنها .. أو في قلبها ... في ذلك الوقت . " ووقفا معاً لحظة طويلة صامتين ، وقد ربط بينهما الأسى وأخيراً تنهدت نيرن واستدارت لتبتعد عندما وقعت نظراتها على مغلف مقفل موضوع على عتبة النافذة فتقدمت تتناوله وهي تقول : " آه لقد كدت أنسى إنها رسالة تركها لك ستروم ... " فتناولها وقد بدا الاضطراب على ملامحه وهو يسألها : " رسالة لي؟ وماذا في داخلها؟ " فقالت : " لا أدري ... لماذا لا تذهب إلى غرفة الجلوس وتفتحها وسأبقى هنا اغسل الأرض وإذا أردت مني شيئاً فاصرخ لي . " كان كل ما تعرفه أنه لم يكن بداخل المغلف نقود لأن ستروم كان أخبرها أنه فتح في البنك في غلينكريغ حساب توفير باسم كيلتي وأن على كيلتي أن يذهب إلى هناك بأقرب وقت ليوقع على الأوراق اللازمة كما أنه أعطى نيرن عنوانه في لندن وأخبرها ان عليها ان تبدأ الإجراءات اللازمة لحضانة كيلتي ، وسيقدم إليها ما تطلبه من عون ولم تشأ أن تتذكر النظرة التي كانت في عينيه ، باردة نائية مقفلة وكأنه كان يبعد عنه ، ليس هي فقط وإنما الحياة نفسها ولم تستطع الاحتمال .
" نيرن! " واستدارت بعنف وهي تسمع نداء كيلتي الخشن وقد اختنق صوته بالدموع ونظرت إليه بارتباك وهو يندفع خارجاً ملوحاً بالرسالة في يده . وتساءلت نيرن عما إذا كان قد جن فقد كانت دموعه تنهمر على وجنتيه ... ولكن عينيه كانتا متألقتين بالفرح ، وهو يهتف : " إنها هنا في هذه الرسالة . " ووضع ذراعيه حولها ثم حملها وأخذ يدور بها بقوة أدهشتها ثم وضعها وهو يقول : " إنها هنا ، آه يا نيرن .... " وخنقته الدموع وهو يناولها الرسالة . وتناولتها منه وأخذت تحدق فيها . كانت رسالة معنونة إلى ستروم . رسالة من هازيل . وهتفت غير مصدقة : " آه يا كيلتي . هل هذه.... ؟ " فأجاب : " نعم إنها الرسالة التي كانت أمي كتبتها له ... " فقاطعته : " الرسالة التي كتبتها إليه بعد رجوعه إلى لندن .... الرسالة التي تحدث عنها؟ ولكن هذه رسالة خاصة يا كيلتي لا ينبغي لي أن أقرأها . " فقال : " أقرئيها . " كان صوته مرتجفاً ووجهه شاحباً وهو يكرر : " أقرئيها يا نيرن وستفهمين كل شيء . " واهتزت يدها بالرسالة وهي تقرأها . كانت رسالة قصيرة كتبت بخط هازيل المألوف وكانت بالضبط كما سبق وأخبرها ستروم . كانت تخبره أن قصتهما انتهت وأنها تحب شخصاً آخر . أنها تحب هوغ كما أحبته على الدوام .. قالت في رسالتها : لقد عرفت هذا حالما رأيته صاعداً الطريق بخطواته الواسعة ، عائداً من رحلة صيد السمك إنني آسفة يا ستروم أظن أنني كنت أشعر بالوحدة فجئت أنت في ذلك الوقت ... وهتف بها : " هل فهمتِ يا نيرن؟ " فحملقت نيرن فيه وهو يختطف الرسالة من يدها وشعرت بساقيها ترتجفان فجلست على كرسي وعاد يهتف بها : " ماذا علينا أن نفعل يا نيرن؟ ماذا نفعل؟ " فهزت نيرن رأسها وقد تملكها الذهول وشعرت بالدنيا تدور حولها وقالت : " لا أستطيع أن أصدق ذلك .... ولكن كان علينا أن نعلم .. كان علينا أن نتكهن بالأمر .. لا بد أن هذه هي القصة . فأن أمك ما كانت لتؤذي أحداً ... إلا ذا اضطرت .. " فقاطعها : " إلا إذا كان الأذى سيصيب آخرين أكثر مما يصيبه هو ... " واغمض عينيه لحظة ثم تابع : " آه يا نيرن يا لها من تضحية قامت بها . " فهمست نيرن : " نعم يا لها من تضحية ... والرجل الذي تأذى أكثر من الجميع كان ستروم . " فقال كيلتي : " لقد كتب لي ورقة برفقة هذه يقول فيها انه كان دوماً يحتفظ بهذه الرسالة معه ، إذ لسبب ما لم يستطع أن يلقي بها وهو يريدني أن أقرأها كبرهان على أنه لم يكذب بما قاله عما حدث بينه وبين أمي . " فقالت وهي تتنفس بعمق : " انه لم يحلم قط بأن يكون فعل الرسالة أكثر من هذا كيلتي .. ان علينا أن نصحح الأمور . " فأجاب : " اعلم ذلك ... ولكن كيف؟ " فنهضت وهي تهتز ، فأمسكت بيده تقوده إلى مكتبها وهي تقول : " اجلس ، ان الأمر عائد إليك الآن عليك أن تكتب له رسالة تشرح له فيها كل شيء . " ثم دفعت إليه بورق ومغلف يحمل اسمها في زاويته وهي تتابع : " اكتب إليه حدثه بكل ما في قلبك وبعد ذلك علينا أن ننتظر وأنا أعرف أن انتظارنا لن يطول . | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:19 pm | |
| ولكن لشّد ما كانت مخطئة . وكم كانت حمقاء. لقد جلست طيلة الليل تنتظر أن يرن جرس الهاتف وتسمع صوت ستروم ليخبرها أنه تلقى الرسالة وأنه عائد في أقرب وقت. وقد سهر كيلتي معها إلى حوالي منتصف الليل ولكنه في النهاية ، انسحب إلى غرفته وقد بانت في ملامحه خيبة الأمل. وفي اليوم التالي لامت نيرن نفسها على عدم صبرها ذاك وحاولت أن تقّوي من ثقة كيلتي قبل ذهابه إلى المدرسة وذلك بقولها : " لا بد أن والدك سيتصل هاتفياً اليوم ." ولكن ستروم لم يفعل . ولا في اليوم التالي ولا الذي بعده. وقال كيلتي وقد انكمش على نفسه : " انه غير مهتم انه لن يتغير لقد فات الأوان . " هل هذا صحيح؟ ومع نهاية الأسبوع الثاني ، تبخر آخر أمل عند نيرن . لقد كان ستروم غالبريث سفينة مرت بهما ذات ليلة وهما لن يرياه مرة أخرى أبداً . لقد أقبل إلى الشمال لكي يوفي واجباته نحو ابنه حالياً ولما ، ولما أنجز ذلك ، أبعده و نيرن أيضاً عن ذهنه نهائياً . ولشد ما تمنت لو بإمكانها ان تبعده هي أيضاً من ذهنها . كانت الريح دافئة صباح الأحد الذي سيصل فيه الفتيان عائدين من رحلتهم البحرية . ارتدت نيرن كنزة وبنطلون جينز ووقفت على الدرجات الأمامية عدة لحظات لترى إن كان ثمة أثر للحافلة التي ستأتي بهم . فهم سيصلون في أية لحظة وابتدأت تسير في الطريق نحو البوابة. لاحظت بقلب حزين أن زهور النرجس ابتدأ وقتها يمر ... كانت كابية اللون ذابلة فوق ساقها المائلة لتعطي مكانها لزهور الخزامى والأقحوان . رفعت بصرها إلى شمس الربيع وتناهى إلى سمعها صوت طيارة بعيدة ووضعت كفها على عينيها تمعن النظر .. كلا انها ليست طائرة بل مروحية ربما كانت قادمة من مركز البحرية . وأعاد إلى انتباهها إلى الطريق صوت بوق سيارة وهناك حول منعطف الطريق برزت حافلة صفراء صغيرة الحجم ها قد عاد فتيانها . ما أكثر الأحداث التي مرت عليها أثناء غيبتهم تلك ولكن كل ذلك أصبح جزءاً من الماضي الآن وعليها أن تتطلع إلى المستقبل وتنهدت وهي ترفع يدها تلوح لهم وبعد ذلك بلحظة ، كان يحيط بها الفتيان المراهقون بوجوههم التي لوحتها الشمس والجو ، وشعورهم الشعثاء وابتساماتهم الجريئة العريضة وقد تبعثرت أكياسهم وحقائبهم على جانب الطريق . قالت تخاطبهم بابتسامة ترحيب : " يبدو أنكم قضيتم وقتاً طيباً . " وتسابقت أصواتهم الفتية : " نعم ، نعم كانت رحلة رائعة كان عملاً شاقاً يا نيرن ." قالت بابتسامة عريضة : " حسناً ، لا بد أنكم جائعون تماماً بعد تلك الرحلة الطويلة بالحافلة . " وقاطعها آركي وهو فتى يبلغ الست أقدام طولاً : " إننا لم نأكل شيئاً منذ السادسة صباحاً . " فقالت : " لقد أعددت المائدة في المطبخ لأجلكم ستجدون سجق وعجة في الفرن وحليباً وعصير البرتقال في الثلاجة فكلوا واشربوا .... " وقبل أن تنهي كلامها كانوا قد اختفوا من أمامها وهم يتدافعون ضاحكين متجهين صوب باب المنزل . وصافحت نيرن قائد الرحلة وهي تقول : " شكراً يا سيد وبستر لأعادتهم سالمين ." فأجاب : " لقد كانت رحلة رائعة يا نيرن وأنا آسف لعدم مرافقة كيلتي لنا . كيف حاله؟ " فأجابت : " آه انه الآن بخير . " فقال : " لقد اضطررت إلى إرساله إذ لم تكن تلك رغبتي ولكنني أحسست ان مشكلته لم تكن جسمانية كما ... " فقاطعته قائلة : " لقد فعلت الصواب والآن لا أحب أن أعيقك يا دان ... فأنا متأكدة من أن زوجتك بانتظارك الآن . " فقفز عائداً إلى الحافلة وهو يلوح لها محيياً وما لبث أن غيبه المنعطف . نظرت نيرن إلى ساعتها . لقد ذهب كيلتي للنزهة مصطحباً الكلب وآلة التصوير قائلاً انه سيمر عند العودة بالمقبرة . إنها ستتفقد الفتيان ومن ثم ترتدي سترتها ثم تذهب بدورها إلى المقبرة حيث تلاقيه هناك.... ولما كان صوت الحافلة قد تلاشى مبتعداً فقد عاد إلى مسامعها صوت الطائرة المروحية مرة أخرى . لقد اقترب الصوت الآن ورفعت بصرها إلى السماء ... واهتز قلبها . ما الذي جعل تلك المروحية تبدو وكأنها ستحط في الحقل القريب من منزلها؟ هل ترى حدث خطأ ما؟ ولكن صوت الموتور كان يبدو متزناً . ربما هنالك مشكلات أخرى ربما أصيب الطيار بمرض مفاجئ . وركضت نيرن نحو السياج الذي يفصل بين قطعتي الأرض ، لتخرج من بين الأسلاك إلى الجهة الثانية راكضة على العشب بخفة وكأنما نبت لها جناحان وفي منتصف الطريق إلى الطائرة المروحية كانت هذه قد توقفت . وقبل أن تصل إليها بأمتار قليلة فتح بابها وخرج منها رجل . رجل في سترة جلدية سوداء . رجل فارع القامة أسمر اللون وذو جاذبية مدمرة . وكانت تعرفه جيداً . وقفت نيرن فجأة وكأنها اصطدمت بحائط . لقد عاد لقد عاد أخيراً وأشرقت الدنيا حولها فجأة وتلونت الأشياء جميعاً بصباغ وردي زاه . وهمست : " ستروم ... " ولم تستطع أن تتحرك من مكانها ولكن لا بأس لقد قطع هو الطريق إليها ، ليحملها ويدور بها حوله إلى أن شعرت بالدوار وتذكرت كيلتي ، ما أشبه الابن بالأب فهما الاثنان مولعان بأن يرفعا الآخرين ويدورا بهم بسرعة عندما يشعرون بسعادة . وكان ستروم سعيداً عندما وضعها على الأرض وهو يهمس : " لم أكن أدري أنني واقع في غرامك وأنني بحاجة إليك وأنني لا أستطيع العيش من دونك . هل فات الأوان؟ " ورأت عيناه الجواب في عينيها. وأخيراً استطاعت أن تقول : " آه يا ستروم لقد كنت أتمنى دوماً لكي تعود عندما أرسل كيلتي .... " فقاطعها قائلاً : " كيلتي؟ أين هو؟ " فأجابته برقة : " لقد ذهب إلى المقبرة ، ان الفرح سيهزه لرؤيتك لماذا لا تذهب لرؤيته هناك؟ " فقال : " وأنتِ؟ " فأجابت : " سأنتظر هنا . " وما أن ترك يدها ليذهب حتى انفجر الضحك والصفير والهتاف من ورائها وأدارت نيرن رأسها لترى فتيانها مصطفين على الحاجز يتفرجون عليهما . وهتفوا جميعاً بصوت واحد : " هيا يا نيرن لا تتوقفي . " قال لها ضاحكاً : " هل هؤلاء الهمجيون فتيانك؟ هل علي أن آخذهم هم أيضاً إذا أنا أخذتك؟ " فقالت : " نعم فهل هذا كثير عليك؟ " فقال : " سأشغل وقتهم على الدوام ، لقد تدبرت عملاً لكل شخص هنا في كريجند وسيبدءون في خلال أسبوع . سأبدأ العمل في بناء مشروع الأكواخ الجبلية الذي صممت عليه منذ سنوات .. وسيكون هناك عمل لكل شخص هنا . " فقالت بغبطة عميقة : " آه يا ستروم ستبقى بينا إذن مدة طويلة . " فأجاب : " بل سأبقى إلى الأبد ثقي بذلك . " كان الفتيان قد ذهبوا جميعاً و نيرن وحدها في المطبخ حيث غسلت الأطباق وابتدأت بتحضير القهوة ولكن ذهنها كان شارداً يفكر باللقاء الذي سيحدث في المقبرة بين الأب وابنه وهما يقفان معاً بجانب ضريح هازيل ، بعد أن تلاشت مرارة عدم التفاهم ذاك. ونظرت من النافذة بعينين لا تريان . ما كان أحسن عودة ستروم العامرة بالحب لها ولكيلتي لو أنها حدثت قبل ، وليس بعدما علم بالحقيقة عن هازيل ، لو أنه فقط حاول الرجوع إلى نفسه ومناقشتها بعد رجوعه إلى لندن فيتغلب على مرارته بنفسه ... ويقتنع بضرورة وضع الماضي خلف ظهره إذا هو أراد أن يعود رجلاً سعيداً ويكون بطلها الفارس المتألق حقاً . وهزت نيرن كتفيها بأسى ، إن رجلها هذا إذن ليس فارساً متألقاً بكل معنى الكلمة ولا بد لها من أن تعيش بينما يشوب سعادتها شيء من القتامة والكمد | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:19 pm | |
| عادت إلى الواقع وهي تسمع الباب الأمامي يفتح فنشفت يديها واستدارت نحو الباب لترى ستروم عائداً ، فاندفعت إلى الأمام وهي تهمس : " أين كيلتي؟ " فأجاب : " لقد نزل إلى الوادي لالتقاط بعض الصور وطلب مني تسليمك هذا . " وحدقت نيرن دون أن تفهم في المغلف الذي ناولها إياه ، المغلف الذي يحمل اسمها في زاويته العليا والذي كان كيلتي عنونه باسم ستروم بخط يده . هذا غير ممكن ، غير ممكن أبداً .. إنها الرسالة التي كانت طلبت من كيلتي كتابتها إلى أبيه ليخبره بحقيقة تصرف هازيل نحوه بزواجها من هوغ بدلاً منه . ولكن الرسالة ما زالت مقفلة بينما كان من المفروض أن تلك الرسالة هي التي جعلته يعود . وقالت تسأله : " إنني لا افهم . " فقال : " وأنا لا افهم أيضاً ولكنه قال انك ستفهمين . قال لي بالضبط أخبر نيرن إنني لم أرسلها مطلقاً لقد أردته أن يشعر بالحاجة إلينا إلى حد أن يعود من تلقاء نفسه ." وتفجرت الدموع من عيني نيرن وهي تتناول الرسالة منه قائلة : " يا له من غلام حكيم انه يفوقني حكمة بكثير . " فقال ستروم : " ولكنه معنون باسمي هل يمكنني أن أقرأه؟ " إنها طبعاً ستسلمه إياه ليقرأه . لقد علم الغلام مقدار ما سيصيب أباه من تمزق في المشاعر بعد أن يعلم الحقيقة فلم يحتمل رؤية المشهد. وأجابته بصوت مختنق بالبكاء : " نعم أجلس هنا أما أنا فسأذهب لأضع بعض الخشب في المدفأة . " وسكبت له فنجان قهوة وضعته بجانبه قائلة : " هناك المزيد من القهوة إذا شئت أما أنا فسأعود حالاً . " ولكنها طبعاً لم تعد ذلك أنها كانت تعلم أن ستروم بحاجة إلى وقت يخلو به إلى نفسه إلى وقت يتكيف فيه مع الحقيقة ، إلى وقت يقتنع فيه قلبه بأن المرأة التي كان أحبها منذ زمن طويل لم تغدر به كما كان يعتقد ، إلى وقت يتحرر فيه من تلك المرارة إلى وقت يشعر فيه بألم جديد هو ألم الندم لحكمه الظالم ذاك على هازيل ، المرأة التي ضحت بسعادتها وبالرجل الذي أحبت .. وذلك لكي تقف بجانب الرجل الذي هو بحاجة إليها حقاً . وقفت نيرن إلى نافذة غرفة الجلوس ملصقة جبينها بزجاجها البارد وقد تاهت بها الأفكار . انه حقاً بطلها الفارس المتألق .. ولكن ما زال هناك بعض الشوائب وعليها أن تنتظر أما الآن فعليها أن تفكر في ما عسى أن تكون عليه مشاعر ستروم من عذاب مبرح ونظرت إلى ساعتها ... ها قد مضت أكثر من نصف ساعة منذ تركته مع تلك الرسالة . " نيرن ..." تجمدت وهي تسمع صوته ولم تستطع أن تتحرك لم تستطع أن تواجهه لم تستطع التفكير في الألم المدمر الذي ستراه على ملامحه والعذاب في عينيه ... لم تسمع خطواته على السجادة وشعرت بأنفاسها تختنق وهو يقول : " انظري ألي يا نيرن ." ما الذي ستراه؟ كانت خائفة من النظر في وجهه واستمدت كل شجاعتها ثم استدارت تنظر إليه . كانت عيناه صافيتين هادئتين وهو يسألها : " ألم يتمكن هوغ من السير بعد ذلك قط؟" فهمست : " كلا ، لقد أمضى بقية حياته في كرسي متحرك . " فقال : " وذلك الحادث على السفينة .... " فأجابت : " لقد حدث في الليلة التي سبقت عودته إلى غلينكريغ ، لقد ترك شخص ما ثغرة في أرض السفينة مفتوحة فسقط هو في الظلام في عنبر السفينة فتهشمت ساقاه الاثنتان . " وساد صمت طويل لم يكن يسمع فيه سوى صوت أزيز نيران المدفأة وكان في صوت ستروم عندما تكلم أخيراً ارتجاف بسيط وهو يقول : " انه إذن لا يمكن أن يكون قد عاد إليها صاعداً الطريق بخطواته الواسعة كما قالت في رسالتها تلك لقد تعمدت أن تقول هذا لكي لا أتكهن أنا بالأمر ..." فقالت : " هذا صحيح . " لقد لاحظت الآن البقع على وجنتيه والتي كانت العلامة الوحيدة على الدموع التي ذرفها وكادت غصة الألم تخنقها. وقال : " كل هذا قد انتهى يا نيرن لقد أصبح في الماضي وأريد منكِ أن تعلمي أنه كان في الماضي قبل أن أحضر إليك اليوم ذلك أنني بعد عودتي إلى لندن ، شعرت وكأنني تركت جزءاً من نفسي هنا .... في غلينكريغ ، معك ومع كيلتي لم يتملكني مثل هذا الشعور من قبل قط في حياتي حتى ولا مع هازيل . شعرت بأن الحب الكبير الذي غمر قلبي لم يدع مجالاً لأية مرارة سابقة . لقد تمكنت من أن أرى إن ما كان بيني وبين هازيل لم يكن سوى سحابة صيف ... وأنا الآن اعتبره لا أكثر من حلم جميل .. فقد انتهى الكابوس ، آه يا نيرن لقد جعلتك تبكين .. مرة أخرى . " فقالت : " إنني لا ... لا أستطيع المقاومة ... " أجابها مهدئاً : " إذن فلتكن هذه الدموع .... دموع السعادة . " فأخذت نيرن تشهق باكية إلى ان شعرت بالراحة أخيراً عند ذلك نظرت إلى ستروم بابتسامة مرتجفة وهي تقول : " لقد كانت فعلاً دموع السعادة ولكنها كانت أيضاً دموع الحزن . الحزن لأجل هازيل لا بد أنها كانت تراك في كل مرة كانت تنظر فيها إلى كيلتي كم كان هذا مؤلماً لقد أحبه هما الاثنان . " فقال : " لقد سألني هذا الصباح عما إذا كنت أمانع في أن يدعوني باسمي ستروم قال أنه دوماً سيفكر في ان هوغ هو والده كما قال أيضاً انه لن يدع أبوتي له سراً إذ ليس هناك الآن من يتضرر من ذلك .. ثم انه ... " ومسح عينيه بيده متابعاً قوله : " وهو أيضاً فخور بي جداً . " ما أكثر هذه المشاعر التي انطلقت في نهار واحد وعادت الدموع تغرق عيني نيرن مرة أخرى ولكنها هذه المرة ابتسمت من خلالها وهي تهمس : " إن فخره بك ليس بمقدار نصف الفخر الذي ستشعر به أنت نحوه . " وتنحنح شخص ما ، فاستدارا هما الاثنان في نفس اللحظة . كان كيلتي واقفاً عند الباب وقد تساقط شعره الأسود فوق جبينه وانزلقت تنورته السوداء إلى وركيه وكانت الابتسامة واسعة تكسو وجهه وتنير عينيه بينما هو مستند إلى الباب . كان مصوباً نحوهما آلة التصوير. " آه ... ها . " وانفجر ضاحكاً | |
|
| |
حمادة الشاعري
| موضوع: رد: دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير الأحد سبتمبر 30, 2007 11:20 pm | |
| الخاتمــــــــة
" لقد وصل عريسك يا نيرن هل رأيته؟ " فاستدارت نيرن عن نافذة غرفة نومها عندما دخلت أختها من الباب وهي تحمل باقة من الورود الحمراء يعلوها الندى وكانت عينا كيلا تتألقان إثارة وهي تقول لاهثة : " لقد كنت خائفة من أن ينسى ستروم إحضار الورود عند حضوره من لندن ولكنني كنت مخطئة إذ أن قرية غلينكريغ لم تكن تحوي الورود التي تستحقها ... بماذا كان دعاك؟ آه نعم ( زهرته الحلوة)! " فضحكت نيرن قائلة : " إذن فقد لاحظتِ أن ابن المدينة يمكنه أحياناً ان يقول الشعر هو أيضاً . " وتناولت منها باقة الورود ورفعتها إلى انفها تتنشقها وهي مغمضة العينين وقالت : " ما أروعها من رائحة . " واستدارت تنظر من النافذة مرة أخرى وهي تقول : " نعم لقد رأيت ستروم عائداً هل آدم جاهز ليأخذه إلى حفل الزفاف؟ " فأجابت كيلا : " نعم انهم جميعاً بانتظاري في غرفة الجلوس . " ووضعت ذراعيها حول خصر أختها ، وأخذتا تنظران معاً من النافذة إلى بناء مؤسسة " أكواخ قمم الجبال " الجديدة ... وإلى البيت الرائع الجمال الذي بناه ستروم لأجل عروسه في موقع منزل كريجند الريفي القديم وكانت نوافذ المنزل تشرف على الوادي والبحيرة وكان بإمكان كيلتي أن يرى من نافذته قمة جبله المحبوب سلاغمهور الشاهقة أما نيرن فستدير نزل برواش كمركز للمراهقين كما أن ستروم سيؤسس عمله في قرية غلينكريغ انه لن يقول بعد الآن إن موطنه هو المكان الذي يعلق فيه قبعته ، وشعرت نيرن بالرضى وهي تقول هذا ان موطنه سيكون حيث هو يريد ان يكون .. هنا في غلينكريغ معها. وتمتمت كيلا : " كان ستروم قد قال أن المجمع الصناعي سيلتزم بناؤه عاما كاملاً وكان الحق معه إذ تحقق ذلك باليوم تقريباً ." فقالت نيرن برقة : " انه كان عاماً رائعاً ... لقد كان كيلتي في منتهى السعادة كما أن ستروم ... " فقاطعتها كيلا : " لقد جذبت قلبه بحلاوتك وحنانك ... " وسكتت وهي ترى نيرن تتنهد وسألتها منزعجة : " ماذا حدث؟ " فأجابت نيرن بوجه متجهم : " لا شيء كنت فقط أفكر في الماضي عندما كنت هنا وحيدة أفكر في روري ... " وعضت شفتها شاعرة بوجهها يتوهج وهي تتابع قائلة : " انه مازال وسيبقى محتلاًً زاوية من قلبي يا كيلا إن علي أن اخبر ستروم .. ولكنني خائفة .. خائفة من ان لا يتفهم الأمر .. " فاحتضنتها أختها بشدة وهي تقول : " آه يا للحمقاء كيف يخطر ببالك أن رجلاً مثله لا يعلم انك لست من نوع النساء اللاتي ينبذن ذكرياتهن بهذه البساطة؟ والآن لا أريد منك أفكاراً حزينة في مثل هذا اليوم السعيد . ابتسمي و ... " وسوت من ثوب نيرن الأبيض وهي تقول : " والآن علي ان اذهب انتظري قرابة خمس دقائق ثم اتبعينا مع والدنا . " ثم عانقت أختها واستدارت خارجة مغلقة الباب خلفها . وتلاشت الابتسامة من وجه نيرن ببطء وهي تتمتم آه يا ستروم وعادت تتشمم الورود مرة أخرى وهي ما زالت تتمتم ، كيف يمكنني أن أمنحك كل قلبي وما زال ..... وتجمدت فجأة وهي تحدق في باقة الورود الرائعة ... لقد كانت تظن أنها تحتوي وروداً فقط ... وروداً حمراء ... ولكن ، ها هنا عدة أزهار من النرجس تختبئ بين الورود كانت أزهاراً صغيرة رقيقة هي أجمل ما رأت في حياتها . واحتبست أنفاسها في صدرها . لابد أن ستروم وضعها هنا بنفسه هل هذا سبب إصراره على إحضار الورود بنفسه؟ هل أرادها أن تعلم في يوم عرسهما أنه يدرك مشاعرها ويفهمها جيداً وأنه لا يريد منها أبداً أن تغلق قلبها عن ذكرياتها مع روري؟ لقد كانت تظن من قبل أنها تحب ستروم ولكنها ترى الآن قلبها يفيض حباً . كان في قلبها من الحب الآن بحيث يكفي ستروم .. وكيلتي أيضاً كما أنه يكفي كيلا وزوجها وأولادهما ووالديها ... وبما فيهم روري .. لقد كان ستروم يعلم ما علمته الآن وما الذي علمها إياه بهديته من أزهار النرجس هذه وهو أن القلب يمكنه أن يستوعب أكثر من ملئه حباً يمكنه أن يفيض حباً على الجميع. كان هناك كثيرون متجمعين خارج مكان الحفل ، وما أن اقتربت نيرن ووالدها من المدخل حتى رأت فاني وبستر بين المتفرجين ، تحدق فيها من خلف نظاراتها السميكة وتلاقت أعينهما وفي هذه اللحظة شعرت نيرن بانفعال بسيط في أعماقها وافترت شفتاها عن ابتسامة ماكرة . ذلك أن فاني وبستر ستبقى عدة أشهر تجد ما تتحدث عنه . وبقيت الابتسامة على فم نيرن وهي تتهادى مع أبيها في ممر المكان ، ممسكة بباقة الورود ولكن عينيها كانتا متجهتين نحو ستروم وقد غشاهما الدمع . كان واقفاً أمام رجل الدين مع كيلتي وقد بدا الاثنان وسيمين بشكل لا يصدق في ملابس جبلية كاملة ، والتفت الاثنان يحدقان فيها وهي تقترب . كان وجه كيلتي متألقاً بالفرح أما ستروم .. فقد جعل الحب الذي بدا في عينيه قلبها يخفق بعنف هل من الممكن أن يموت المرء من قوة الحب؟ وهمس أبوها في أذنها وهو يراها تكاد تتعثر في سيرها : " تمهلي الآن في سيرك يا فتاة ... تمهلي ... " وعندما وقفت بجانب ستروم سمعته يهمس لها : " لشد ما تبدين رائعة الجمال . " نعم ... سيكون الأمر سهلاً .. سهلاً في أن تحب هذا الرجل وأن يحبها . وعبقت رائحة الورود التي تحملها معطرة الجو بينما أخذ رجل الدين يعقد قرانهما بحيث يكونان زوجان معاً دائماً .. وإلى اللابد ..
تمــــــت
| |
|
| |
| دعنـــي أحبـــك.. من روايات عبير | |
|