لم يكن الغريب زائرا عاديا ولكنه أحد شياطين الجحيم هبط الشيطان بالساحرة إلى احد بقاع الجحيم ليجعلها أضحوكة إخوانه الشياطين.
وعندما استقر العفريت بالساحرة في أغوار الجحيم السحيقة صرخ بأعلى صوته :
-ـ أخواتي الشياطين لقد جئتكم بهدية. ها هي ذي الساحرة العجوز.
ثم مد العفريت يده إلى العجوز التي تسمرت حول عنقه وكأنها صارت جزءا منه وحاول أن يخلص عنقه من قبضة ذراعيها ولكنه لاقى عناء شديدا ان العجوز تعلقت به تعلقها بالحياة وأخذ العفريت يتملص ويتلوى وانتفخت أوداجه ونفرت عروقه ولكنه كان عبثا يحاول الهرب من كارثة حلت به وعلى ما يبدو أنها لن تفارقه.
طلب العفريت مساعدة إخوانه الشياطين لكنهم آثروا الاستمتاع بمشاهدة هذا الصراع الممتع بينه وبين الساحرة العجوز كما أنهم كانوا يخافون من أن تترك أخاهم وتتعلق بأي منهم.
أخذ العفريت يتمرغ بها في أشد بقاع الجحيم حرارة ولكن العجوز أبت أن تفك حصارها عن عنقه فأخذ يطوف بها أرجاء الجحيم لكن هذا-أيضا- لم يفلح معها ظل العفريت على هذا الحال بضعة أيام حتى أنهدت قواه وأصبح أضحوكة يتندر بها الشياطين في كل أرجاء الجحيم.
وأخيرا قرر أن يلجأ إلى كبير الشياطين فقد يدله على حيلة يتخلق بها من هذا البلاء فلما قدم إلى كبيرهم وشرح له مأساته قال له :
لن تستطيع الخلاص منها إلا إذا أعدتها من حيث أتيت بها.
خرج العفريت من جحر كبير الشياطين وهو يلعن حظه العاثر الذي أوقعه في هذه العجوز اللعينة ثم اتجه صوب الأرض عبر ممر الجحيم وظل يقطع الطريق أياما وليالي حتى وصل إلى الأرض في مكان من البادية وكان الإعياء قد بلغ غايته وسرى التعب في كل أوصاله ثم التقى أثناء سيره براع تبدو عليه سيماه الذكاء والهدوء وسرعان ما دخل معه في حديث طويل ليخفف متاعب الرحلة الشاقة . وكان الإعياء باديا على العفريت فقال له الراعي:
-ـ انك تبدو متعبا جدا.
-ـ نعم, لقد كانت رحلتي شاقة للغاية.
-ـ ألا يزال الطريق أمامكما طويلا؟
-ـ بلى, لا يزال أمامي سفر طويل.
-ـ ولم تحمل زوجتك هكذا؟ لماذا لا تدعها تسير بجانبك حتى تستريح؟
غضب العفريت بشدة وقال:
-ـ هذه تقاليدنا في السفر والتنقل. كما أننا نجلس لنستريح بين الحين والأخر كلما شعرت بأني غير قادر على المواصلة.
ثم استمرا في السير حتى شعر العفريت بأنه لا يستطيع أن يرفع قدمه عن الأرض وأحس بالضعف والهوان صعب عليه نفسه فانفجر فجأة في البكاء وترقرقت الدموع الحارة على خديه واعترف للراعي بما حل به وكيف ضاعت هيبته بين الشياطين بسبب هذه المصيبة المتعلقة بكاهله فقال له الراعي:
-ـ سوف أساعدك .
لم يصدق العفريت ما سمعه وقال :
-ـ حقا هل تستطيع مساعدتي؟
فأجاب الراعي:
-ـ نعم. اترك لي هذا الحمل وتول أنت أمر الغنم.
وقرب رأسه من كتف العفريت وأخذ يد العجوز ولفها حول عنقه فلم تعبأ العجوز بذلك وانتقلت من فوق كاهل العفريت إلى ظهر الراعي الشاب.
وأخذ العفريت عصا الراعي وهو لا يكاد يصدق أنه تخلص من الساحرة كان العفريت يسوق الغنم أمامه ومن خلفه الشاب وفوق كتفه الساحرة .
يتبع....